استعمال الأطفال في عرض الأزياء
هل يباح للطفل أن يعمل كعارض أزياء ، سواء كان ذلك على التلفاز ، أو دعايات أو إعلانات ؟
وهل يباح أن تستخدم صور الطفل كدعاية لجمعية أو مؤسسة ما ؟
الجواب
الحمد لله.
حكم مشاركة الأطفال في عروض الأزياء ، أو مشاركتهم في التصوير ليصبحوا نماذج دعائية
لمنتجات طبية أو غذائية أو ملابس ونحو ذلك ، فيه تفصيل مهم ينبغي التنبه له :
إذا كانت عروض الأزياء تلك ستتم من خلال شركات الأزياء المغرقة في الإثم ونشر
المعصية ، العاملة في قطاع الأزياء النسائية وعروضها الفاضحة التي لا تخفى حرمتها
على مسلم ، فلا يحل لأحد التعامل مع تلك الشركات في هذا الإطار ، صغيرا كان أم
كبيرا ، غنيا أم فقيرا ، ذكرا أم أنثى ، فالطفل الصغير هو مشروع عارض أو عارضة
كبيرة ، تبيع جسدها نهبة لكل ناظر ومعتد ، وتفقد إنسانيتها حين تصبح الفائدة
المرجوة منها إنما هي نظرات الإعجاب من تجار الموضة عَرَّابي الفساد في الأرض ،
والله عز وجل يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي
الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النور/19.
هذا فضلا عن الخطر المحدق بالطفل نفسه ، وعلى طفولته البريئة ، بحيث تستغل لترويج
الغش والكذب ، أو لترويج بضائع محرمة ، أو تستعمل صوره في دعايات تصاحبها صور نساء
فاضحة أو مناظر محرمة ، وكثيرا ما يكون الطفل أو الطفلة قد بلغا سنا يمكن أن
تنالهما ريبة أو شهوة من قبل الناظرين إليهما ، فتنشر صور الفتيات اليافعات في
الإعلان والترويج بحجة أنهن أقل من الثامنة عشرة ، وكل ذلك من فاحش الاستغلال
المسيء للطفولة ، وانتقاص لحقوقهم المصونة ، والواجب على المجتمعات حمايتهم من
الوقوع فريسة في أيدي الطامعين بحجة الدعاية والإعلان .
والواجب أيضا صيانة الطفل عن الخروج بفطرته السوية التي تنشأ على العفة والحياء ،
كي لا ينغرس في قلبه حب التبرج والتكشف وعادات الاختلاط ومصاحبة الجنس الآخر ، يقول
الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ
نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ
لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/6.
إن أعظم خيانة يمكن أن تقع على وجه الأرض هي تلك الخيانة التي يواجهها الأطفال في
براءتهم ، من خلال " استعمالهم " لتحقيق جشع الكبار وفحش الشركات ، وكلمة "
الاستعمال " نطقت بها ألسنة القائمين على هذا القطاع بدون خوف ولا استحياء ، لتظهر
حقيقة صناعتهم ، أنها " استعمال "، و " استغلال " لهذا الكائن البريء الذي لا يعي
حقيقة ما يجري حوله ، وإلى أي أوحال خطيرة وعميقة يجره إليها أولئك الصنف من البشر
، ولكن الله عز وجل لهم بالمرصاد كما كان للخائنين دائما ، قال عز وجل : ( وَإِنْ
يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) الأنفال/71.
إن جيل الأطفال الذي ينشأ على حب عروض الأزياء ، والتعلق بعالم الموضة ، والاستغراق
في عالم الجسد وصورته وإبراز مفاتنه - جيلٌ محكوم عليه بالدمار والفشل ، ومحكوم على
أمته من بعده بالتخلف والرجعية ، وبتحكم سعار الشهوات في مصيرها ، هذا فضلا عن أن
هؤلاء القائمين على هذا الباب من المعصية يعلمون الإحصاءات العالمية المرتفعة
لحوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال ، فكأنهم بذلك يبحثون عن وسائل زيادة تلك
الأرقام ومضاعفتها ، وترك أطفال العالم نهبة للنفسية الانهزامية المشتغلة دائما
بسفاسف الأمور ، ونهبة للوحوش الشهوانية المتربصة بهم ، لذلك منع الفقهاء نظر
الكبير إلى الصغير نظر شهوة واستغلال ، ومنعوا كل ما يؤدي إلى ذلك ، صيانة لعالم
الطفولة ، وقطعا لعالم الرذيلة .
أما إذا احتيج إلى صورة الطفل للعرض في شكلها اليسير ، البعيد عن عالم شركات
الأزياء والموضة الكبيرة ، والبعيد عن عالم الاختلاط والاستغلال المشين للكرامة
الإنسانية ، فلا بأس حينئذ ولا حرج ، إن شاء الله ؛ فقد تقرر جواز التصوير
الفوتوغرافي للحاجة ، خاصة وأنه ليس هو التصوير الذي ثبت النهي عنه ، وإنما هو عكس
للصورة وتثبيت لها بالآلة ، من غير صناعة يدوية في صورة ذي الروح .
وانظر في موقعنا (95322) ، (102262) .
ومن البين وجود الحاجة أحيانا لتصوير تلك النماذج ونشرها ، وهي الدعاية والإعلان
للأشياء النافعة والمفيدة ، أو للمساهمات والأعمال الخيرية أيضا ، فمراكز علاج
الأطفال يمكنها الاستعانة بصور الطفل المريض لنشر فكرتها ، وأنواع الغذاء الضروري
يمكن أن تروج من خلال نماذج الأطفال الأصحاء الذين يتناولون ذلك الغذاء ، ونحو ذلك
من الحاجات والأمور النافعة وانظر في موقعنا الفتوى رقم : (152215) ، (112019) .
والله أعلم .