الحمد لله.
أولا :
كان يجب عليك إذ وجدت هذا المال في حسابك ولم يكن لك رصيد أن تخبر البنك بذلك ،
وتستعلم عن هذا المال كيف تم تحويله إلى حسابك ؟ فإن لم يكن وصل إليك بطريق مشروع
وجب عليك رده إلى مرسله ؛ فإن مثل ذلك قد يحدث عن طريق الخطأ .
ثانيا :
أخطأت ثانية إذ اتفقت مع صاحب المال على أن تحول له ماله الذي صرفته وأنفقته شهريا
ثم تكاسلت عن ذلك ، وكان الواجب عليك الوفاء بما تعهدت به واتفقت عليه معه .
ثالثا :
الواجب عليك الآن أن تدبر أمر هذا المبلغ ، من أهلك ، أو تقترضه من أحد معارفك ، أو
تبيع بعض ما عندك ؛ المهم أن تدبر له حقه كاملا ؛ وليس من المعقول ، ولا من المقبول
بعد هذا الوقت كله : أن تقول له إنني سوف أرد إليك حقك مقسطا ، وانتظرني حتى أودع
لك كل شهر قسطا من حقك ؟! فربما كان هذا التقسيط الذي تريده هو من أسباب إعراضه عن
التواصل معك ، وقبول حقه منك ؛ فإذا حصل ودبرت له حقه : فإن كان عندك رقم حسابه
فأرسل إليه المال ، وإن لم يكن عندك فاتصل بالبنك واطلب منه رقم الحساب ، فإن أمكنك
الحصول على رقم حسابه بأي طريق فأرسل إليه حقه ، ثم اتصل به وأعلمه بأنك حولت له
المال ، واستسمحه وتحلل منه .
فإذا لم يمكنك الحصول على رقم الحساب وتمكنت من معرفة محل سكنه أو عمله ، فإنه
يلزمك الذهاب إليه وإعطاؤه حقه ، مع استسماحه والتحلل منه وطلب العفو .
مع التوبة إلى الله والاستغفار مما فعلت .
رابعا :
فإن لم يمكنك هذا ولا ذاك ، ولم تستطع توصيل المبلغ إليه بأي طريق وجب عليك أن
تحفظه له عندك على سبيل الأمانة حتى تتمكن من رده إليه . وتكتب وصية بذلك : أن هذا
المال مال فلان فمتى جاء يطلب ماله فأعطوه إياه .
وتخبر بصورة الحال من يستطيع إنفاذ وصيتك من بعدك .
فإذا توفي صاحب المال مثلا أو سافر ، أو حصل ما يئست معه من لقائه أو الاتصال به ،
أو بمن يدلك ، أو على ورثته إن كان قد مات : فتصدق بهذا المال عنه ، فإذا قدر الله
بعد ذلك لك العثور عليه أو الاتصال به أو بورثته إذا كان قد مات : فإنك تخيره بين
الصدقة التي أخرجتها عنه ، وبين ماله ، فإن اختار الصدقة فذاك ، وإلا دفعت إليه حقه
.
وكذلك الحال بالنسبة للورثة .
سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه
الله :
أخذت نقودا يوم كنت صغير السن وأجهل بالأحكام ؛ فقد أخذتها وتصرفت فيها، والآن أريد
أن أبرئ ذمتي منها ؛ فماذا أفعل ؟
فأجاب :
" يلزمك إذا كنت تعرف صاحبها أن تردها إليه وأن تستبيح منه ما حصل منك من إساءة ،
وإذا كان صاحبها ميتا ؛ فإنه يجب عليك ردها إلى وارثه ، أما إذا كنت لا تعلم صاحبها
؛ فإنه يتعين عليك حينئذ أن تتصدق بها على نية أن الأجر لصاحبها مع التوبة إلى الله
سبحانه وتعالى من مثل هذا ؛ لأن أموال الناس لا يجوز التعدي عليها ، ولا أخذها بدون
رضاهم ، وهذا ظلم وعدوان ؛ فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى ، وترد المال إلى
صاحبه أو وارثه ، فإن لم تستطع ؛ فعليك أن تتصدق به وتبرئ ذمتك منه " انتهى من
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (58 /1-2) .
خامسا :
إذا أبى صاحب الحق أن يقبل حقه ، أو أن يسامح في مظلمته ، بعد توبتك ، واجتهادك في
رد الحق إليه ؛ فإن المأمول من فضل الله ، واللائق بعفوه وكرمه ، ومحبته للتوبة من
عباده : أن يتحمل عنك حق صاحب الحق ، ويؤدي عنك ما له عندك ، ويرضيه ، إن لم يكن قد
رضي وسامح في الدنيا .
هذا مع أن رضا المظلوم ، والعفو عمن ظلمه إذا كان قد تاب : هو من مكارم الأخلاق ،
ومن فاضل الأعمال التي ندب إليها الشرع الكريم ؛ قال الله تعالى : ( وَسَارِعُوا
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران /133-134 .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (99554)
.
والله تعالى أعلم .