الحمد لله.
جميع ما تركه الميت من مال
فإنه ينتقل إلى ملكية ورثته من حين موته سواء كان نقوداً أو عقاراً أو أعياناً
كالسيارة ، ويبقى الحق لهم في قسمة المال وعدمه .
وعليه : فإن السيارة التي تركها والدكم من التركة ، ولكم الحق في إبقائها بلا قسمة
إذا تراضيتم على ذلك ، أو بيعها وقسمة ثمنها على الورثة.
وتجب القسمة في حال طالب بعض الورثة بنصيبه منها ، وذلك ببيعها وقسمة ثمنها ، أو
يعطِي من أراد تملكها منهم لبقية الورثة نصيبهم من قيمتها .
فإذا تراضى جميع الورثة ، بما فيهم أخوات الوالد : على إبقاء السيارة ، وعدم قسمتها
، ثم أردتم تقسيمها بعد ذلك : فإنها تقوَّم بثمنها يوم بيعها لا يوم وفاة والدكم ؛
لأنها ملككم جميعاً ؛ عليكم غرمها ولكم غنمها ، فما حصل من الزيادة أو النقص في
قيمتها إلى يوم بيعها أنتم فيه شركاء .
فإن كان استخدام بعض الورثة للسيارة دون إذن الباقين ، فيكون على من استعملها دون
رضا منهم ضمان ما نقص من قيمتها بسبب استعماله ، وعليه أجرة مثلها في تلك الفترة ؛
لأنها في هذه الحال في حكم العين المغصوبة .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا ... فَذَهَبَ بَعْضُ
أَجْزَائِهِ .. فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ ، وَإِنْ أَقَامَ عِنْدَهُ مُدَّةً
لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ ، لَزِمَهُ أَجْرُهُ ، سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ .
وَإِنْ اجْتَمَعَا ، مِثْلُ أَنْ أَقَامَ عِنْدَهُ مُدَّةً ، فَذَهَبَ بَعْضُ
أَجْزَائِهِ ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُمَا مَعًا : الْأَجْرُ وَأَرْشُ النَّقْصِ ،
سَوَاءٌ كَانَ ذَهَابُ الْأَجْزَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ بِغَيْرِهِ .. ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ أَجْرٌ ، كَثَوْبٍ غَيْرِ مَخِيطٍ ، فَلَا أَجْرَ عَلَى
الْغَاصِبِ ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِهِ لَا غَيْرُ" انتهى من " المغني " (7/386)
.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (28/234) : " مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ : أَنَّ كُل عَيْنٍ مَغْصُوبَةٍ ، عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ
نَقْصِهَا ، إِذَا كَانَ نَقْصًا مُسْتَقِرًّا تَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ ، سَوَاءٌ
كَانَ بِاسْتِعْمَالِهِ ، أَمْ كَانَ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالِهِ ، كَمَرَضِ
الْحَيَوَانِ ، وَكَثَوْبٍ تَخَرَّقَ ، وَإِنَاءٍ تَكَسَّرَ ، وَطَعَامٍ سَوَّسَ ،
وَبِنَاءٍ تَخَرَّبَ ، وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا ، وَلِلْمَالِكِ عَلَى
الْغَاصِبِ أَرْشُ النَّقْصِ - مَعَ أُجْرَةِ الْمِثْل " . انتهى
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ولو غصب رجل كتاباً يساوي خمسين ريالاً، ثم
بعد شهر أو شهرين رده وهو يساوي أربعين ريالاً.. فإن كان الكتاب نقص بالاستعمال
فإنه يضمن النقص .." انتهى من "الشرح الممتع" (10/ 163) .
فهذا بالنسبة لضمان نقص القيمة الحاصل بسبب الاستعمال، لأن الاستعمال ينقص قيمة
الأشياء.
أما نقص القيمة الحاصل بسبب تغّير الأسعار وتفاوت العرض والطلب على هذا الموديل من
السيارات ، ففي ضمانه على الغاصب خلاف بين العلماء ، سبق بيانه في جواب السؤال : (220839)
.
ومن كان من الورثة راضياً باستعماله السيارة فلا شيء له في قيمة النقص ولا في أجرة
المثل ، ومن كان غير راضٍ فله على المُسْتعمِل ما نقص من نصيبه بسبب الاستعمال
مضافاً إليه نصيبه من أجرة مثلها في تلك الفترة .
وبما أن من استعمل السيارة خلال هذه الفترة لم يتقصد حرمانكم من حقكم في السيارة ،
فالوصية لكم التنازل والتسامح عما سبق والاكتفاء بتقاسم قيمة السيارة بحسب سعرها
الآن .
ما لم يكن في الورثة قُصّر دون سن البلوغ فالواجب إعطاؤهم حقهم غير منقوص، فحقوقهم
لا تقبل التنازل والتسامح .
والله أعلم .