طلق زوجته بسبب مرضها النفسي ، وما زال متعلقاً بها ويريد النصيحة
زوجتي السابقة مصابة باضطراب ثنائي القطب ، انفصلنا الآن ، وأنا لا أنوي الرجوع إليها ؛ أحبها كثيرا ، قلبي يريدها ، لكن عقلي يرفض ذلك .
أفضل أن أعاني قسوة الفراق ، على أن أعود إليها ، فأصاب أنا أيضا بالجنون .
هكذا هي الدنيا ؛ لا تأتيك كاملة أبدا ، والحمد لله على ما قدر.
أنا بحاجة إلى المواساة والاقتناع الكلي والحتمي بالابتعاد عنها ؛ لأنها لازالت تتصل بي هاتفيا ، فأجيبها أحيانا ، فتنهال علي بالسب والشتم .
الجواب
الحمد لله.
إن من سنة الله في كونه : أن جعل الدنيا دار مصائب وأكدار ، وأمراض وفراق ، وتعب
وكبد ، ابتلاءً لعباده : أيصبرون أم يكفرون ، ولتشتاق أرواحهم للآخرة وللجنة ولما
عند الله ، حيث لا نصب ولا وصب ، ولا تعب ولا كبد، ولا هم ولا حزن ، ولا موت ولا
مرض ولا فراق ، سنة الله في كونه ، ولن تجد لسنة الله تبديلا !!
أيها الفاضل،
في طي كلامك جواب وشفاء لما أنت فيه ، فعلاقتكما قد انتهت بالانفصال والطلاق ، وأنت
لا تنوي الرجوع ، وهي مريضة بمرض نفسي يستحيل معه إقامة علاقة زوجية سليمة ،
والظاهر أنك جربت لكنك أخفقت ، فماذا بعد ؟ وعلام التعلق بحبل منقطع ؟ ولم العيش في
ظل الأمنيات والمستحيل ؟
إجابتك على هذه التساؤلات كانت واضحة ، ونُحَيِّيك على هذا الوضوح : " قلبي يريدها
، لكن عقلي يرفض ذلك " فهنا كل الحكاية ، وكل الحل ؛ قلب يميل ، وعقل يصوب ويقوم
ويثني عن الانزلاق .
لكن يبقى أن تقوي حديث العقل في نفسك ، بما ينسيك نهائيا فيها ، قد يأخذ وقتا ،
لكنه في الأخير سيأتي ، حسب قوتك وعزيمتك ويقينك في الله أن يعوضك عنها خيرا ، وأن
يخلفك في مصيبتك خيرا منها ، وأن يثيبك على معاناتك .
يقول ابن القيم رحمه الله :
"وَإِنْ كَانَ لَا سَبِيلَ لِلْعَاشِقِ إِلَى وِصَالِ مَعْشُوقِهِ ، قَدَرًا ، أَوْ
شَرْعًا، أَوْ هُوَ مُمْتَنِعٌ عَلْيِهِ مِنَ الْجِهَتَيْنِ، وَهُوَ الدَّاءُ
الْعُضَالُ ؛ فَمِنْ عِلَاجِهِ : إِشْعَارُ نَفْسِهِ الْيَأْسَ مِنْهُ ، فَإِنَّ
النَّفْسَ مَتَى يَئِسَتْ مِنَ الشَّيْءِ ، اسْتَرَاحَتْ مِنْهُ ، وَلَمْ
تَلْتَفِتْ إِلَيْهِ .
فَإِنْ لَمْ يَزَلْ مَرَضُ الْعِشْقِ مَعَ الْيَأْسِ ، فَقَدِ انْحَرَفَ الطَّبْعُ
انْحِرَافًا شَدِيدًا ، فَيَنْتَقِلُ إِلَى عِلَاجٍ آخَرَ، وَهُوَ عِلَاجُ عَقْلِهِ
؛ بِأَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْقَلْبِ بِمَا لَا مَطْمَعَ فِي حُصُولِهِ
نَوْعٌ مِنَ الْجُنُونِ ، وَصَاحِبُهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَعْشَقُ الشَّمْسَ ،
وَرُوحُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالصُّعُودِ إِلَيْهَا وَالدَّوَرَانِ مَعَهَا فِي
فَلَكِهَا، وَهَذَا مَعْدُودٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ فِي زُمْرَةِ
الْمَجَانِينِ " انتهى من "زاد المعاد" (4/251) .
أنت ما زلت في مقتبل العمر ، وريعان الشباب ، كما ذكرت في بياناتك : (34 سنة) ،
وليس من العدل ، ولا من العقل ، ولا من الحكمة : أن تمضيه حسرات على ما فات ، أو
على ما لا يمكن بحال أن يعود ؛ ابحث عن زوجة أخرى تلائمك ، وشق طريق حياتك من جديد
، فالحياة لا تتوقف لفراق ، ولا لفشل ، ولا يشغلك عن ماضي امرأة ، سوى امرأة أخرى
تلائمك .
فاستخر بالله ، وابحث عن زوجة تعوضك خيرا ، واقطع علاقتك بطليقتك نهائيا فهي لم تعد
تحل لك الآن وأنتما مطلقان ، ولا طائل من بقاء اتصالكما حتى على الهاتف ، و إن
استطعت أن تغير رقم هاتفك فافعل ، قطعا لاتصالها بك ، وتنغيص حياتك عليك .
اعلم أيها الفاضل أن النسيان قد يأخذ منك وقتا ، وكما قلنا فذلك راجع لقوتك وصلابتك
، فاسأل مقلب القلوب أن يخرج ما بقي من تلك العلاقة من قلبك ، واسأله سبحانه أن
يأجرك في مصيبتك ، وأن يخلفك خيرا منها .
نسأل الله لك راحة البال ، ومستقبلا زاهرا وزوجة صالحة تعوضك عما فات ، و أن يثيبك
الله ثواب الصابرين .
والله أعلم.