المأموم يسر بتكبيرات الانتقال ولا يجهر بها
روى البخاري حديثا عن النبي صلي الله عليه وسلم يقول فيه : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) يعني أنه ينبغي أن نصلي بالطريقة التي كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلي بها.
وسؤالي هو : هل وردت كيفية الصلاة خلف الإمام ، بداية من التكبير حتى التسليم .
لو كانت الإجابة بنعم ، فهل من الممكن أن تذكر لي الدليل على أن الإمام يكبر بصوت مرتفع بينما يكبر المأموم سرا ؟ من فضلك برهن على جوابك بالأحاديث .
الجواب
الحمد لله.
أولا :
صفة صلاة المأموم هي صفة صلاة الإمام ، لا فرق بينهما إلا في أمور يسيرة معدودة ،
وكلاهما ( الإمام والمأموم ) يشمله حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( صَلُّوا
كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) رواه البخاري (631) .
ثانيا :
من أهم الفوارق بين صلاتي الإمام والمأموم أن الإمام يجهر بالتكبير ، وأما المأموم
فيسر ولا يجهر ، وقد دل على هذا بعض الأحاديث النبوية ، مع إجماع العلماء ، وعمل
المسلمين في مساجدهم في جميع البلاد .
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ ، فَإِذَا كَبَّرَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ لِيُسْمِعَنَا " رواه مسلم
(413) ، وكان ذلك في مرض الرسول صلى الله عليه وسلم فكان صوته ضعيفا لا يسمعه
المصلون ، فكان أبو بكر يبلغ الناس تكبير النبي صلى الله عليه وسلم ، فلو كان
المقتدون به عليه الصلاة والسلام يرفعون أصواتهم بالتكبير لما احتاج أبو بكر الصديق
رضي الله عنه أن يرفع صوته وحده كي يُسمِع الصحابةَ مِن خلفه .
وأيضا : قد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم المصلي أن يجهر بقراءته إذا كان ذلك
سيشوش على مصلِّ آخر ، فقال : ( أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ
فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ ، فَلْيَعْلَمْ أَحَدُكُمْ مَا يُنَاجِي رَبَّهُ ،
وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ ) رواه أحمد
في " المسند " (8/523) بسند صحيح .
وجهر المأموم بالتكبير يشوش على المصلين ، بل قد يتسبب في خطأ بعض المأمومين في
الصلاة ، حين يدخل أحد المصلين متأخرا فيدخل في الصلاة مع الإمام وهو ساجد ، ويجهر
بالتكبير فيرفع بعض المأمومين من السجود ظنا منهم أن الإمام هو الذي كبر .
ولذلك قال البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" يكره جهر مأموم في الصلاة بشيء من أقوالها ؛ لأنه يخلط على غيره " .
انتهى من " كشاف القناع " (1/332) .
وأما الإجماع : فقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية اتفاق الأئمة على أنه لا يشرع أن
يجهر المأموم بالتكبير ، فقال: " لا يشرع الجهر بالتكبير خلف الإمام لغير حاجة
باتفاق الأئمة " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (23/402).
ويدل على ذلك أيضا : أن الإمام إنما شرع الجهر في حقه حتى يتمكن المأموم من
الاقتداء به ، أما المأموم فلا حاجة لأن يجهر بالتكبير .
جاء في كتاب " مراقي الفلاح " (ص97) من معتمد كتب الحنفية :
" يسن جهر الإمام بالتكبير والتسميع لحاجته إلى الإعلام بالشروع والانتقال ، ولا
حاجة للمنفرد ، كالمأموم " انتهى.
واستثنى المالكية فقط تكبيرة الإحرام ، فأجازوا للمأموم الجهر بها .
وقال النفراوي المالكي رحمه الله :
" يندب الجهر بتكبيرة الإحرام لكل مصل ، والإسرار بما عداها للمأموم والفذ ، وأما
الإمام فالشأن في حقه الجهر بالتكبير والتسميع ليقتدي به المأموم " انتهى من "
الفواكه الدواني " (1/192) .
وقال النووي الشافعي رحمه الله :
" أما غير الإمام فالسنة الإسرار بالتكبير سواء المأموم والمنفرد " .
انتهى من " المجموع " (3/295) .
ويدل على ذلك أيضا : الإجماع العملي من المسلمين في مساجدهم ، فلم يزل المسلمون في
مساجدهم ينكرون على المأموم إذا رفع صوته بالتكبير أو القراءة .
والخلاصة : أن السنة في حق المأموم أن يسر وأن الجهر بذلك خاص بالإمام وحده .