عن بكر بن الهيثم وإسحق بن أبى إسرائيل عن عبد الرزاق الصنعانى عن معمر بن راشد , عن عبد الله بن طاووس , عن طاووس بن كيسان عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال : ( يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتى ) ، قال: وكنت تركت أبي قد وضع له وضوء , فكنت كحابس البول مخافة أن يجىء ، قال : فطلع معاوية ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( هذا هو ) .
الحمد لله.
نعم ، هكذا روى البلاذري هذا الحديث في كتابه السابق ؛ لكن ليس كل حديث يروى يكون صحيحا ، فإذا نظرنا في كتاب البلاذري هذا ، فسوف نرى قبل هذا الحديث وبعده عدة أحاديث تصرّح أن معاوية رضي الله عنه من أهل الجنة !!
قال ابن الجوزي في كتابه " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " ( 1/ 280 ) بعد أن ذكر عدة أحاديث تنص أن معاوية من أهل الجنة وضعّفها : " وقد روي عنه وأنه من أهل النار ، وذلك محال أيضا " انتهى .
فالعبرة إذا بصحة الإسناد .
وهذا الحديث في سنده عبد الرزاق الصنعاني ، وإن كان إماما من الأئمة ، إلا أن العلماء لم يوثقوه في كل ما حدث به ؛ بل استثنوا ماحدث به من حفظه وليس من كتابه ، وكذا ما حدث به بعد أن عمي ، وبعض ما حدث به في المناقب والمثالب ، كهذا الحديث ، فقد كان فيه تشيع .
قال ابن عدي في كتابه " الكامل " ( 6/ 545 ) :
" ولعبد الرزاق بن همام أصناف وحديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم ، وكتبوا عنه ولم يروا بحديثه بأسا ، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع ، وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليها أحد من الثقات ، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الأحاديث ، ولما رواه في مثالب غيرهم مما لم أذكره في كتابي هذا ، وأما في باب الصدق : فأرجو أنه لا بأس به ، إلا أنه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ، ومثالب آخرين مناكير " انتهى ـ .
وهذا الحديث مما يدخل في هذا الباب .
وقال عنه الدراقطني : " ثقة ، يخطئ على معمر في أحاديث لم تكن في الكتاب " .
انتهى من " سؤالات أبي عبد الله بن بكير وغيره لأبي الحسن الدارقطني " (ص 35 ) .
ولعل هذا منها ، خاصة أن عبد الرزاق لم يذكر هذا الحديث في مصنفه ، كما أشار إلى ذلك محقق كتاب البلاذري .
وقال ابن حبان في كتابه " الثقات " ( 8/ 412 ) :
" وكان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر ، وكان ممن يخطئ إذا حدث من حفظه ، على تشيع فيه " انتهى .
وقال الإمام أحمد: " عبد الرزاق لا يعبأ بحديث من سمع منه وقد ذهب بصره ، كان يلقَّن أحاديث
باطلة " انتهى من " شرح علل الترمذي " لابن رجب ( 2/577-578 ).
وقال ابن رجب : " وقد ذكر غير واحد أن عبد الرزاق حدث بأحاديث مناكير في فضل علي وأهل البيت ، فلعل تلك الأحاديث مما لقنها بعد أن عمي ، كما قال الإمام أحمد .. وقال النسائي : عبد الرزاق ما حُدِّث عنه بآخرة ففيه نظر " انتهى من " شرح علل الترمذي " ( 2/580 ).
وقد وقع اضطراب في سند هذا الحديث كما في " المنتخب من علل الخلال " لابن قدامة (228):
" وسألت أحمد ، عن حديث شريك ، عن ليث ، عن طاوس ، عن عبد الله بن عمرو ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يطلع عليكم رجل من أهل النار " فطلع معاوية .
قال : إنما رواه ابن طاوس ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو أو غيره ، شك فيه .
قال الخلال : رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس قال : سمعت فُرخاش يحدث هذا الحديث عن أبي عن عبد الله بن عمرو " انتهى.
ومع هذا الاضطراب في السند وقع اضطراب آخر في متنه ؛ ففي هذه الرواية عند البلاذري جاء فيها أنه يطلع رجل من أهل النار وفيها أن الطالع هو معاوية رضي الله عنه ، وفي مسند أحمد (11/71 ) " ليدخلن عليكم رجل لعين " ، وكان الداخل الحكم .
وفي رواية أخرى ذكرها الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/147 ) ونسبها للطبراني في الكبير وفيها " ليطلعن عليكم رجل يبعث يوم القيامة على غير سنتي ، أو على غير ملتي " ولم يعين فيها الطالع .
فمع هذا الاضطراب في سند ومتن هذا الحديث ؛ لا يمكن لمن كانت عنده مسكة من علم ، وعقل ، ودين : أن يعتمده في الطعن على واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضلا عن الشهادة عليه بذلك البهتان البالغ .
والله أعلم .