نصيحة لشخص له تجارب في الزواج غير ناجحة زهَّدته في الزواج ونفَّرته منه
أنا رجل مسلم تزوجت الزوجة الأولى في عام 2005 ، ودخلت بها ثم طلقتها بعد 6 أشهر، وتزوجت مرة أخرى في عام 2008 ودخلت بها أيضاً ، عرفتُ أنها تتحدث مع أحد زملائها في الجامعة ، فحذرتها ونصحتها فانزعجت ، ثم تركتني وطلبت الطلاق بعد أن تشاجرنا شجاراً عنيفاً ، فطلقتها ثلاث مرات دفعة واحدة ، أما الزوجة الثانية فقد تزوجتها تزامناً مع مرض والدي وكان لزاماً عليَّ أن أبقى إلى جواره طيلة الوقت ، وتركت عملي ولزمته إلى أن توفي بعد عام ونصف ، ثم دخلت والدتي في مرحلة العدة فوقفت على حاجتها آنذاك ، ولعل ذلك لم يرق لزوجتي فأخذت حُليها وغادرت البيت واختفت لمدة 10 أيام لا أدري أين ذهبت ، وفجأة يتصل والدها ويسبني ويسب أمي ، ويقول : إن أردت زوجتك فيجب أن تترك أمك ، وأن تفصلها عن ابنتي. أو فطلقها ، وهددني بالسجن وبالضرب إن ذهبت إلى بيته ، عندئذ لم يكن أمامي أي خيار سوى الطلاق فطلقتها ثلاث طلقات دفعة واحدة.
وكل ما يؤلمني الآن أنني أُجبرت على الطلاق في المرتين إجباراً ، ولا أدري أكنت محقاً أم لا ؟! وأصبحت أكره الزواج وما عدت أفكر فيه على الإطلاق ، فما نصيحتكم ؟
الجواب
الحمد لله.
نسأل الله سبحانه أن يلطف بك فيما قُدِّر عليك , وأن يلهمك رشدك ويصلح لك الحال
والبال , وأن يفرج عنك ما أنت فيه من ضيق وهم , وأن يرزقك الأجر والمثوبة على برِّك
بوالديك إنه سبحانه كريم ، وإنا لننصحك أن تتأنى في أمر الطلاق فتجعله آخر الحلول
وليس أولها , لأن الطلاق أمر مكروه في أصله ، ولا تنتفي عنه الكراهة إلا بوجود ما
يبرره ويسوغ اللجوء إليه.
واعلم أنه لا بد للمسلم في أول الأمر أن يختار زوجته وفق مواصفات شرعية صحيحة , لا
أن يسارع في الزواج هكذا دون تحر أو استقصاء , بل الواجب عليه أن يطيل البحث
والسؤال ، والتحري والاستقصاء ، حتى يظفر بذات الدين والخلق , وإهمال البحث عن ذات
الدين والخلق رغبة في مقاييس الدنيا الفانية التي تضمحل وتذهب ، من حسب ومال وحسن
وجمال ، هو من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى الشقاق والخلاف أوَّلا ، ثم الطلاق في
نهاية الأمر .
وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة , فقد أخرج
البخاري (5090) ، ومسلم (1466) وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ
المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا،
فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ " .
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (17149) وأبو يعلى الموصلي في مسنده (1012): عن أبي
سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) تنكح المرأة على إحدى خصال ثلاث :
تنكح المرأة على مالها، على جمالها، تنكح على دينها، عليك بذات الدين والخلق ؛ تربت
يمينك ) حسنه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " برقم : (1919) .
أما بالنسبة لطلاق زوجتك التي كانت تتحدث مع صديقها فقد كان معك حق في طلاقها ,
خصوصا بعدما ظهر من إصرارها واستنكافها عن قبول النصيحة ، وطلبها للطلاق .
أما زوجتك التي فارقت البيت اعتراضا على برك بوالديك ، وقيامك بواجبهما ؛ فهي وإن
كانت مخطئة في هذا ، إلا أنه كان من الممكن الصبر عليها ، وعلى أذى أبيها , ونصحها
وتعريفها بحقوق الوالدين ووعظها عموما في هذا الأمر وغيره من أمور الدين ، لا سيما
وقد فرطت أنت في حقوقها ، وكان ينبغي عليك النظر إلى ذلك ، ومحاولة إعطاء كل ذي حق
حقه .
لكن على أية حال ، هذا أمر فات وقته ، وربما يكون لك درسا وعظة فيما تستقبل من أمر
نفسك ، وما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، والمهم أن تستفيد من هذه التجارب
فيما تستقبله من حياتك.
والنصيحة لك -في النهاية- ألا تؤثر هذه التجارب السابقة على موقفك من الزواج ،
فتؤثر العزوبة عليه , فإن هذا مسلك خاطىء ؛ لأن الزواج من هَدْي النبيين وسنن
المرسلين , قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا
لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) الرعد/38 .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – في فوائد قوله تعالى ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ
اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) البقرة/ 35 : "ومنها : أن النكاح سنة قديمة
منذ خلق الله آدم ، وبقيت في بنيه من الرسل ، والأنبياء ، ومَن دونهم ، كما قوله
تعالى : ( ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية ) الرعد/ 38 " .
انتهى من "تفسير سورة البقرة " ( 1 / 130 ) .
ولأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لرهط من الصحابة أرادوا أن يبالغوا في أمر
العبادة ، ويجتهدوا فيها : ( أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ
وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ،
وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) رواه
البخاري (5063) ، ومسلم (1401) .
مع التنبيه على أن الطلاق قد وقع في جميع المرات برضاك وإرادتك , فإن كنت تقصد
بقولك أنك أجبرت عليه : أي اضطررت لفعله لتتخلص من هؤلاء الزوجات ونشوزهن , فهذا
صحيح أما إن كنت تقصد بالإجبار المعنى الشرعي وهو الإكراه الذي لا يقع معه الطلاق
فهذا غير صحيح , بل قد وقع الطلاق بمحض إرادتك واختيارك وبالتالي هو نافذ .
وللفائدة : ينظر حول حكم طلاق الثلاث ، بلفظ واحد : الفتوى رقم : (36580)
.
والله أعلم.