ما حكم الدعاء على شيء قد حدد وانقضت نتيجته ؟ أقصد يا شيخ لو اتصلت المدرسة بأحد الطلاب ، وقالت له : تعال واستلم نتيجتك ، فهل يجوز له أن يدعو في الطريق بأدعية مثل :يارب تكون النتيجة عالية أو ما شابهه ، مع أن النتيجة قد طبعت وهي جاهزة للتسليم ؟
الحمد لله.
باب الدعاء باب واسع من أبواب العبادات ، وهو من أجلَّها وأعظمها وأحبها إلى الله تعالى، حتى جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء هو العبادة ، فقد أخرج أحمد (18849) ، ، والترمذي (3232) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ( إنّ الدعاءَ هُوَ العبادة) ، ثم قرأ : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) سورة غافر/60 " ، قال الترمذي : حسن صحيح ، وصححه الألباني في "صحيح وضعيف سنن الترمذي " (2969) ، وانظر: تفسير الطبري 3/485.
والدعاء في مثل الحال المذكورة له صورتان:
الأولى :
أن يكون الدعاء في شيء قضي وعلم الشخص بالمقضي ، كأن يعلم أنه رسب ، فيدعو الله أن ينجح ، أو علم أن فلانا مات فيدعو الله أن يحييه ، فالدعاء في هذه الحال عبث ، بل يعتبر من التعدي في الدعاء ؛ لأنه دعاء بشيء من المستحيلات .
فعن عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( سَيكون فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ ) . أخرجه أحمد (17254) ، وأبو داود (96) وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود - الأم " (86).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الاعتداء في الدعاء يكون تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات ، وتارة يسأل ما لا يفعله الله مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة ، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية ، من الحاجة إلى الطعام والشراب ، ويسأله بأن يطلعه على غيبه ، أو أن يجعله من المعصومين ، أو يهب له ولداً من غير زوجة ، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ، ولا يحب سائله " انتهى من " مجموع الفتاوى " (15/22).
وقال ابن عابدين : " من المحرم أن يسأل المستحيلات العادية وليس نبيا ولا وليا في الحال ، كسؤال الاستغناء عن التنفس في الهواء ليأمن الاختناق ، أو العافية من المرض أبد الدهر لينتفع بقواه وحواسه أبدا ، إذ دلت العادة على استحالة ذلك ... فكله حرام " .
انتهى من " رد المحتار" (4/121) .
الصورة الثانية :
أن يعلم أنه وقع ، كما ورد في السؤال ، لكنه لم يعلم بالمقضي ، فهنا لا بأس بالدعاء ، فيشرع له أن يتوجه إلى الله تعالى داعيا بما يريد ، فإن العبد لا يعلم قضاء الله الذي وقع ، أخير هو أم شر ؟
وقد أخرج أحمد (22694) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1634) ، عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ ) .
فعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ ) يدل على أنه يشرع الدعاء في نحو الحال المذكورة .
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي " (5/427) في قوله صلى الله عليه وسلم : " ( لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَـاءُ ( : .. وَقَدْ أَمَرَ بِالتَّدَاوِي وَالدُّعَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَقْدُورَ كَائِنٌ ؛ لِخَفَائِهِ عَلَى النَّاسِ وُجُودًا وَعَدَمًا .. يُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ (أَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِل)" انتهى.
فما دام أن الشخص لا يعلم المقضي فإنه يشرع له الدعاء بالخير الذي يريده ، ورفع الشر الذي يخشاه ويتوقاه ، ودعاؤه في تلك الحال داخل في جملة النصوص الواردة في الترغيب والحثِّ على الدعاء ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عنهُ من السُّوءِ مثلَها )" قَالُوا: إِذنْ نُكثرُ ، قَالَ: (الله أَكثر ) " رواه أحمد في " المسند" (11133) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1633) .
والله أعلم .