حكم تسريحة " الشعر المجدل " (dreadlocks)
لدي سؤال من فتاة أمريكية على وشك الدخول في الإسلام إن شاء الله . وهي تسأل إذا كان جائز تسريح الشعر بطريقة ( dreadlocks ) ؟
الجواب
الحمد لله.
تسريحة " الشعر المجدل " إحدى التسريحات القديمة المعاصرة ، يُجعل فيها الشعر على
شكل لفائف طويلة ورفيعة ، تظهر بطريقة ملبَّدة ومعقودة ، فيبدو الرأس معها كأنه
تجمع للفائف تنزل منه ، وتتفاوت في سماكتها بحسب نوع الشعر وطريقة التسريح .
وهي تسريحة تاريخية ، عرفت في الصور المنحوتة في مصر الفرعونية القديمة ، وتناقلتها
الصور التراثية اليونانية أيضا ، كما اشتهرت أول ما اشتهرت في القرن الإفريقي ، حيث
تمتاز شعور تلك الشعوب بكثافتها وقوتها ، بحيث يكفي إطلاق شعر أحدهم من غير غسل أو
قص إلى ظهوره بمظهر " الجدائل " المقصودة .
وانتقل هذا الشكل بعد ذلك إلى الحضارة الهندية ، وعُرفت بعض آلهة الهندوس بهذا
المظهر أيضا ، وصورُهم وصورُ أصنامهم دليل واضح على ذلك .
ولكن لم نقف على ارتباط خاص لهذه التسريحة بتعاليم دينية محددة ، أو طقوس عبادية
خاصة ، حتى أتباع الكنيسة الأثيوبية الأرثوذكسية ، ذات العرق الإفريقي ، تحلوا بهذا
النوع من التسريحات ، وعنهم أخذ بعض المتصوفة المسلمين في تلك البقاع أيضا هذه
العادة .
وبهذا يتبين أن هذا المظهر ذي " الشعر المجدل " لم يعد محصورا على فئة من الناس ،
كما لم يرتبط بعرق أو دين أو طقوس معينة ، بل هي عادة مشتهرة لدى العديد من الأجناس
والشعوب وأتباع الأديان قديما وحديثا ، كل من يستحسن هذا النوع من التسريح يختاره
لنفسه ، ويتزين به ، حتى غدا اليوم تسريحة عصرية يختارها بعض النجوم والمشاهير ،
ولكن في البلاد ذات التنوع العرقي والثقافي الهائل مثل الولايات المتحدة الأمريكية
، أكثر من البلاد الأوروبية مثلا .
ويمكن التوسع في التعرف إلى هذه التسريحة على الرابط الآتي : ينظر " مصطلح
(Dreadlocks) في موسوعة ويكيبديا
وقد كانت هذه المقدمة ضرورية لبيان الحكم الشرعي ، حيث تخلص إلى أن هذه العادة لا
تشتبه بالتدين والعبادة ، فلا يفتى بتحريمها لما لها من قدسية خاصة في بعض الأديان
، وأيضا تخلو هذه التسريحة من دعوى الخصوصية لشعب من الشعوب ، أو دين من الأديان ،
فلا يفتى بتحريمها قطعا للتشبه المذموم في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه
بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود (4031) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .
فيرجع الحكم الشرعي – في نظرنا – حينئذ إلى البراءة الأصلية ، والإباحة الأصلية ،
حيث لم يثبت أي ناقل إلى حكم التحريم ، والقاعدة الشرعية المتفق عليها بين العلماء
تقول : " الأصل في العادات الإباحة "، وهي أحد أهم قواعد المرونة في شريعتنا ، لما
تؤدي إليه من صلاحية مرنة لكل زمان ومكان .
وقد سبق في موقعنا استعمال هذه القاعدة في أمور زينة النساء ، وذلك في الفتوى رقم :
(127038) .
على أنه إذا قدر أن هذه التسريحة كانت خاصة بطائفة دينية ، من غير المسلمين ،
وعلامة على أهلها ، في مكان معين ، أو زمان معين ، فإنه لا يجوز ـ حينئذ ـ للمسلمة
أن تتزين بها ، لما فيها من التشبه المحرم ، وترك مخالفة المشركين .
ولا يخفى أخيرا أن المرأة المسلمة إذا أرادت أن تتزين بمثل هذه التسريحات ، فإنما
تتزين بها لزوجها ، ويجوز كشفها أمام نسائها ومحارمها ، أما أن تظهر به للرجال
الأجانب : فذلك ممنوع عليها ، فقد أمرها الله عز وجل بالحجاب ، وذلك في قوله عز وجل
: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ
الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ
يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب/59.
نسأل الله تعالى أن يهدي صديقتك للهدى والنور ، ويبعث في قلبها حب الطاعة والهداية
.
والله أعلم .