الحمد لله.
والحجاب فريضة محكمة شرعها
الله سبحانه لنساء المؤمنين وهو رمز العفة وأمارة الصيانة والتقوى , ويجب على
المسلمين علماء ودعاة وأفرادا أن يبذلوا الجهد والطاقة لدعوة الناس إليه وترغيبهم
فيه , ولكن مع ذلك يجب أن تكون الوسيلة التي تسلك في هذا السبيل وسيلة مشروعة , لأن
الغايات المحمودة ينبغي أن تكون وسائلها مشروعة , وأما أن يتم تحديد يوم في السنة
يتكرر كل عام ويسمى بــ " يوم الحجاب العالمي " فهذا لا يجوز , وذلك لما يلي :
أولا :
أن هذا فيه تشبه بعادات الكفار أعداء الله سبحانه وأعداء رسله , فإنهم الذين
ابتدعوا هذه الأفكار , وجعلوا لكل أمر يريدون إشاعته ونشره مناسبة للاحتفال تتكرر
بتكرر الأعوام والسنين , مثل اليوم العالمي للطفولة , واليوم العالمي لمناهضة العنف
ضد المرأة , واليوم العالمي للسرطان , واليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة ,
وعيد الأم , والعيد الوطني , وغير ذلك الكثير من هذه البدع والمنكرات التي ما أنزل
الله بها من سلطان .
وإنما كانت هذه الأمور من قبيل البدع المذمومة لأن تحديد يوم محدد يتكرر كل عام
ويجتمع فيه الناس على فعل معين يجعل هذا اليوم يوم عيد , لأن العيد اسم لما يعود
ويتكرر .
قال علماء اللجنة الدائمة في " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى " (3/88) :
" العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد إما بعود السنة أو الشهر أو
الأسبوع أو نحو ذلك فالعيد يجمع أموراً منها : يوم عائد كيوم عيد الفطر ويوم الجمعة
، ومنها : الاجتماع في ذلك اليوم ، ومنها : الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من
عبادات وعادات " انتهى .
وينظر إلى جواب السؤال رقم :
(10070) .
وتشريع الأعياد لا يكون إلا من الله سبحانه شأنه شأن سائر أمور التشريع التي لا تكون إلا من الله جل جلاله الذي له الخلق والأمر , والتشريع والحكم , والتحليل والتحريم , ولم يجعل الله سبحانه لنا معشر المسلمين إلا عيدين فقط وهما عيد الأضحى وعيد الفطر , ثم عيد أسبوعي وهو يوم الجمعة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة ، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح ، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضاً ، فيكون فيها من البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى ، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام ، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى ، وعيد الأسبوع ( يوم الجمعة ) وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (2/301) .
الثاني : أن الاحتفال الذي يحصل في هذا اليوم يحدث فيه من اللهو والمرح والعبث ما ينافي مقصود الشرع الحنيف من تشريع الحجاب بل ومن كل تشريع , ذلك أن تشريعات الله سبحانه يجب أن يسارع إليها الناس ويلتزموها خاشعين مخبتين محتسبين قاصدين بها التقرب إلى الله سبحانه , طامعين في ثوابه خائفين من بطشه وعقابه , أما أن يجتمع النساء فيما يسمى بيوم الحجاب العالمي وهن في حالة من اللهو واللعب والفرح والمرح , ويدعون معهن نساءً من جميع الديانات والجنسيات والأعراق ليلبسن الحجاب يوما واحدا ليتم تصويرهن ونشر هذه الصور كنوع من الدعاية والإعلان , ثم يخلعنه بعد ذلك كل هذا عبث بأوامر الله ؛ لأن الحجاب عبادة لا بد فيه من النية والاحتساب والمداومة .
ثالثا : أن الحجاب الذي
يرتدينه النساء في هذا اليوم يسيء كثيرا إلى هذه الفريضة الربانية , ويضرها أكثر
مما ينفعها , ذلك لأن الحجاب الشرعي له شروط ومواصفات إن وجدت فقد وجد الحجاب
الشرعي الذي أمر الله به النساء , وإن تخلفت هذه الشروط أو تخلف بعضها فهذا لا يسمى
حجابا شرعيا , وقد سبق بيان هذه المواصفات في الفتوى رقم : (6991)
, أما الحجاب الذي يرتدينه النساء في هذا الاحتفال فهو في الغالب لا يمت إلى الحجاب
الشرعي بصِلةٍ , بل لا تلتزم المرأة فيه إلا بتغطية شعرها وجسدها , وهي مع ذلك ربما
ارتدت البنطلون , وربما كانت الثياب ضيقة بحيث تصف تقاطيع الجسد , وربما وضعت
مساحيق التجميل , وربما كان اللباس الذي ترتديه زينة في نفسه ملونا مزركشا مبهرجا
يلفت الأنظار ويحرك القلوب المريضة . وهذا كله ينافي الحجاب الذي فرضه الله .
وعلى هذا ، فإن الاحتفال بما يسمى باليوم العالمي للحجاب أمر غير جائز , حتى وإن
كانت نية أصحابه نية طيبة صالحة , إلا أن صلاح النية وحده لا يكفي , بل لا بد معه
أن تكون الوسيلة مشروعة ليس فيها مخالفة لأمر الله سبحانه .
وأما إن اجتمع جماعة من
المسلمين أو المسلمات في مكان ما وزمان ما ليدعوا إلى فريضة الحجاب ويبصروا الناس
بها , فهذا أمر حسن وهو من المعروف الذي أمر الله سبحانه بالأمر به , ولكن لا بد من
الالتزام بما يلي :
أن يتجنبوا مشابهة الكفار وعاداتهم في الاحتفال بمثل هذه الأمور .
ألا يُحدد يوم معين يتكرر كل سنة لأن هذا نوع من الابتداع كما سبق بيانه .
أن يدعوا النساء إلى الالتزام بالحجاب الشرعي بمواصفاته وشروطه التي بينها أهل
العلم وسبق الإشارة إليها في الفتوى المحال عليها آنفا .
أن يُعْلِموا النساء أن الحجاب فريضة محكمة وعبادة عظيمة تعبَّد الله بها نساء
المؤمنين ، فيجب عليهن أن يسارعن إليها وأن يداومن عليها , أما أن يدعوا النساء
لارتداء الحجاب ليوم واحد أو يومين ونحو ذلك فهذا لا يجوز .
والله أعلم .