الحمد لله.
أولا :
لم يسب معاوية عليا رضي الله عنهما ولم يأمر بذلك ؛ لما يلي :
1- لم يثبت بسند صحيح سب معاوية لعلي رضي الله عنهما .
قال القرطبي رحمه الله تعالى : " يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبّه ، لما كان معاوية موصوفاً به من العقل والدين ، والحلم وكرم الأخلاق ، وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح ، وأصح ما فيها قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا تراب ؟
وهذا ليس بتصريح بالسب ، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج ما عنده من ذلك ، أو من نقيضه ، كما قد ظهر من جوابه ، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن ، وعرف الحق لمستحقه ...
وأما التصريح باللّعن ، وركيك القول ، كما قد اقتحمه جهّال بني أمية وسفلتهم ، فحاش معاوية منه ، ومن كان على مثل حاله من الصحبة ، والدّين ، والفضل ، والحلم ، والعلم ، والله تعالى أعلم " انتهى من " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " ( 6 / 278 – 279 ) .
وقال الألوسي رحمه الله تعالى : " وما يذكره المؤرخون من أن معاوية رضي الله تعالى عنه كان يقع في الأمير – علي - كرم الله تعالى وجهه بعد وفاته ويظهر ما يظهر في حقه ، ويتكلم بما يتكلم في شأنه مما لا ينبغي أن يعول عليه أو يلتفت إليه ؛ لأن المؤرخين ينقلون ما خبث وطاب ، ولا يميزون بين الصحيح والموضوع والضعيف ، وأكثرهم حاطب ليل ، لا يدري ما يجمع ، فالاعتماد على مثل ذلك في مثل هذا المقام الخطر والطريق الوعر مما لا يليق بشأن عاقل ، فضلا عن فاضل " انتهى من " صب العذاب على من سب الأصحاب " ( ص 421 ) .
2- المعروف عن معاوية أنه كان يحفظ فضل علي رضي الله عنه ولا ينكره .
فقد جاء أبو مسلم الخولاني وأناس إلى معاوية ، وقالوا : " أنت تنازع عليا أم أنت مثلُه ؟ فقال: لا والله ، إني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر مني ، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما ، وأنا ابن عمه ، والطالب بدمه ، فأتوه ، فقولوا له ، فليدفع إليّ قتلة عثمان ، وأُسَلِّم له . فأتوا عليا ، فكلموه ، فلم يدفعهم إليه " انتهى من " سير أعلام النبلاء " ( 3/ 140 ).
ودخل أبو الدرداء وأبو أمامة رضي الله عنهما على معاوية : فقالا له: " يا معاوية ، علام تقاتل هذا الرجل ؟ فو الله إنه لأقدم منك ومن أبيك سَلْماً ، وأقرب منك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحق بهذا الأمر منك . فقال : أقاتله على دم عثمان ، وأنه أوى قتلته ، فاذهبا إليه فقولا له فليُقِدنا من قتلة عثمان ، ثم أنا أول من يبايعه من أهل الشام " انتهى من " البداية والنهاية" ( 10/508 ) .
3- اشتهر معاوية رضي الله عنه بالحلم وعدم الغضب وأصبح مضرب المثل في ذلك .
فقد كان معاوية وهو ملك يعفو ويتجاوز عمن يسبه علانية ، فهل يعقل أن يقوم مَنْ هذا خُلُقُه بسب أفاضل الناس ؟!
ولمزيد الفائدة راجع مقالة الشيخ سليمان الخراشي في رد هذه الفرية على الرابط الآتي :
http://www.saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/79.htm
ثانيا :
الذين يسعون اليوم للقدح في معاوية رضي الله عنه هم الذين يسيئون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه رضي الله عنهم .
فهم يسيئون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه صلى الله عليه وسلم ائتمن معاوية وقربه منه وجعله كاتبا من كتاب الوحي ، وهم يضادون هذه التزكية النبوية بطعنهم في معاوية رضي الله عنه .
ويسيئون إلى الصحابة رضي الله عنهم ، فهذا الحسن بن علي رضي الله عنه وحفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تنازل عن الخلافة وبايع معاوية رضي الله عنه وبايع معه المسلمون وفيهم الصحابة ، فمن يطعن في معاوية يطعن في الحسن وفي الصحابة الذين بايعوا معاوية رضي الله عنهم أجمعين .
وللفائدة راجع الفتوى رقم ( 140984 ) .
والله أعلم .