يسأل عن الأدوية الشرعية التي تفيده في علاج التهاب القولون
أعاني من التهاب القولون التقرحي ، وقد أخبرني الطبيب بأنه لا يمكن شفاء هذا المرض ، وأنه يجب علي أن أتناول الدواء طيلة حياتي ، لذا أود أن أعرف إن كان هنالك علاج لمثل هذا المرض في القرآن أو السنة النبوية فأنا لا أثق بالطب والأطباء ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
ما أنزل الله من داء ، إلا وأنزل له دواء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله .
روى الترمذي (2038) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ ، قَالَ: " قَالَتِ الأَعْرَابُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: ( نَعَمْ ، يَا عِبَادَ اللَّهِ
تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً ،
إِلَّا دَاءً وَاحِدًا ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ:
(الهَرَمُ) " وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وروى أحمد (23156) عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: " عَادَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا بِهِ جُرْحٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ادْعُوا لَهُ طَبِيبَ بَنِي فُلَانٍ )، قَالَ:
فَدَعَوْهُ فَجَاءَ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، وَيُغْنِي الدَّوَاءُ شَيْئًا
؟ فَقَالَ: ( سُبْحَانَ اللهِ ، وَهَلْ أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ فِي الْأَرْضِ ،
إِلَّا جَعَلَ لَهُ شِفَاءً ؟ ). وانظر جواب السؤال رقم : (147231).
فإذا كان الطبيب ثقة وعلى علم بالطب فلا مانع من الذهاب إليه .
وقول الطبيب : إنه لا يمكن الشفاء من هذا المرض ، إنما هو بحسب علمه ، وقد يكون
غيره على علم بالدواء ، وقد لا يكون علمه أحد إلى الآن وسوف يكتشفه الناس فيما بعد
.
ثانيا :
لا بأس من الجمع بين الأمرين : الذهاب إلى الطبيب ، والتداوي بالأدوية الشرعية .
والأدوية الشرعية بالنسبة لحالتك ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
التداوي بالقرآن والرقى الشرعية وكثرة الدعاء الذكر والتضرع إلى الله تعالى ،
قال الله تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ
لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) الإسراء/82 .
قال الشوكاني رحمه الله :
" اختلف أهل العلم في معنى كونه شفاء على قولين : الأول : أنه شفاء للقلوب بزوال
الجهل عنها وذهاب الريب وكشف الغطاء عن الأمور الدالة على الله سبحانه ، القول
الثاني : أنه شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ ونحو ذلك . ولا مانع من حمل
الشفاء على المعنيين " انتهى من " فتح القدير" (3 / 362) .
وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي : " أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي
تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ ، وَقُلْ بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ
أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ) رواه مسلم ( 2202
) .
وعن عائشة رضي الله عنها : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ، قَالَ: ( أَذْهِبِ
البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي ، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ
، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا ) رواه البخاري ( 5351 ) ، ومسلم ( 2191 ) .
القسم الثاني :
التداوي بالحمية والاعتدال في الطعام والشراب ، واجتناب الأطعمة التي قد تكون سببا
لزيادة مرضك ، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مَلَأَ
آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ
صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ : فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ ، وَثُلُثٌ
لِشَرَابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ) رواه الترمذي (2380) وصححه ، وصححه الألباني
في " صحيح الترمذي " .
قال ابن القيم رحمه الله :
" الْأَمْرَاضُ نَوْعَانِ : أَمْرَاضٌ مَادِّيَّةٌ تَكُونُ عَنْ زِيَادَةِ مَادَّةٍ
أَفْرَطَتْ فِي الْبَدَنِ حَتَّى أَضَرَّتْ بِأَفْعَالِهِ الطَّبِيعِيَّةِ ، وَهِيَ
الْأَمْرَاضُ الْأَكْثَرِيَّةُ وَسَبَبُهَا إدْخَالُ الطَّعَامِ عَلَى الْبَدَنِ
قَبْلَ هَضْمِ الْأَوَّلِ ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَحْتَاجُ
إِلَيْهِ الْبَدَنُ ، وَتَنَاوُلُ الْأَغْذِيَةِ الْقَلِيلَةِ النَّفْعِ
الْبَطِيئَةِ الْهَضْمِ ، وَالْإِكْثَارُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ الْمُخْتَلِفَةِ
التَّرَاكِيبِ الْمُتَنَوِّعَةِ ، فَإِذَا مَلَأَ الْآدَمِيُّ بَطْنَهُ مِنْ هَذِهِ
الْأَغْذِيَةِ ، وَاعْتَادَ ذَلِكَ أَوْرَثَتْهُ أَمْرَاضًا مُتَنَوِّعَةً ،
مِنْهَا بَطِيءُ الزَّوَالِ وَسَرِيعُهُ ، فَإِذَا تَوَسَّطَ فِي الْغِذَاءِ
وَتَنَاوَلَ مِنْهُ قَدْرَ الْحَاجَةِ، وَكَانَ مُعْتَدِلًا فِي كَمِّيَّتِهِ
وَكَيْفِيَّتِهِ ، كَانَ انْتِفَاعُ الْبَدَنِ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ انْتِفَاعِهِ
بِالْغِذَاءِ الْكَثِيرِ .
وَمَرَاتِبُ الْغِذَاءِ ثَلَاثَةٌ :
أَحَدُهَا: مَرْتَبَةُ الْحَاجَةِ .
وَالثَّانِيَةُ: مَرْتَبَةُ الْكِفَايَةِ .
وَالثَّالِثَةُ: مَرْتَبَةُ الْفَضْلَةِ .
فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ يَكْفِيهِ
لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَلَا تَسْقُطُ قُوَّتُهُ ، وَلَا تَضْعُفُ
مَعَهَا، فَإِنْ تَجَاوَزَهَا فَلْيَأْكُلْ فِي ثُلُثِ بَطْنِهِ ، وَيَدَعِ
الثُّلُثَ الْآخَرَ لِلْمَاءِ ، وَالثَّالِثَ لِلنَّفَسِ ، وَهَذَا مِنْ أَنْفَعِ
مَا لِلْبَدَنِ وَالْقَلْبِ ، فَإِنَّ الْبَطْنَ إِذَا امْتَلَأَ مِنَ الطَّعَامِ
ضَاقَ عَنِ الشَّرَابِ ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ الشَّرَابُ ضَاقَ عَنِ النَّفَسِ
، وَعَرَضَ لَهُ الْكَرْبُ وَالتَّعَبُ بِحَمْلِهِ بِمَنْزِلَةِ حَامِلِ الْحِمْلِ
الثَّقِيلِ ، هَذَا إِلَى مَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الْقَلْبِ ، وَكَسَلِ
الْجَوَارِحِ عَنِ الطَّاعَاتِ ، وَتَحَرُّكِهَا فِي الشَّهَوَاتِ الَّتِي
يَسْتَلْزِمُهَا الشِّبَعُ ، فَامْتِلَاءُ الْبَطْنِ مِنَ الطَّعَامِ مُضِرٌّ
لِلْقَلْبِ وَالْبَدَنِ " .
انتهى من " زاد المعاد " (4/ 16-17) .
القسم الثالث :
التداوي بما جاء في السنة مما ينفع هذا النوع من الداء ، كالعسل والحبة السوداء
وماء زمزم والتلبينة .
- أما العسل :
فقد قال الله تعالى : ( يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ
فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) النحل/ 69 .
وروى ابن أبي شيبة (5/ 60) بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " عَلَيْكُمْ
بِالشِّفَاءَيْنِ: الْقُرْآنِ وَالْعَسَلِ " .
قال ابن القيم رحمه الله : " فَجَمَعَ بَيْنَ الطِّبِّ الْبَشَرِيِّ وَالْإِلَهِيِّ
، وَبَيْنَ طِبِّ الْأَبْدَانِ وَطِبِّ الْأَرْوَاحِ، وَبَيْنَ الدَّوَاءِ
الْأَرْضِيِّ وَالدَّوَاءِ السَّمَائِيِّ " انتهى من " زاد المعاد " (4/ 32) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (114167) .
- وأما الحبة السوداء :
فروى البخاري (5688) ، ومسلم (2215) عن أبي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( فِي الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ
شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ ، إِلَّا السَّامَ ) .
- وأما ماء زمزم :
فروى ابن ماجة (3062) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : ( ماء زمزم لما شرب له ) .
صححه الألباني في " صحيح ابن ماجة " وغيره .
قال النووي رحمه الله :
" معناه : من شربه لحاجة نالها ، وقد جربه العلماء والصالحون لحاجات أخروية ودنيوية
، فنالوها بحمد الله تعالى وفضله " انتهى من " تهذيب الأسماء واللغات " (3 / 450) .
وقال ابن عثيمين رحمه الله :
" ماء زمزم لما شرب له ، إن شربته لعطش رويت ، وإن شربته لجوع شبعت ، حتى إن بعض
العلماء أخذ من عموم هذا الحديث أن الإنسان إذا كان مريضا وشربه للشفاء شفى ، وإذا
كان كثير النسيان وشربه للحفظ صار حافظا ، وإذا شربه لأي غرض ينفعه " .
انتهى من " شرح رياض الصالحين " (ص 862) .
- أما التلبينة :
فعَنْ عَائِشَةَ قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُول : ( التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ ، تَذْهَبُ
بِبَعْضِ الْحُزْنِ ) رواه البخاري ( 5101 ) ، ومسلم ( 2216 ) .
انظر إجابة السؤال رقم : (60311) .
وانظر للاستزادة إجابة السؤال رقم : (20176) .
نسأل الله لك الشفاء والعافية .
والله أعلم .