الحمد لله.
ثانيًا :
يجب على الرجل أن يزوج ابنه ، إذا كان الابن محتاجًا للزواج وعاجزًا عن تكاليفه ،
ويدخل هذا في النفقة الواجبة عند الحنابلة .
قال ابن قدامة رحمه الله في
" المغني " (8/217) :
" قال أصحابنا – يعني : الحنابلة - : وَعَلَى الأَبِ إعْفَافُ ابْنِهِ ، إذَا
كَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ، وَكَانَ مُحْتَاجًا إلَى إعْفَافِهِ " انتهى .
وقال المرداوي رحمه الله في
" الإنصاف " (9/404) :
" يجب على الرجل إعفاف مَن وجبت نفقته عليه ، من الآباء والأجداد والأبناء وأبنائهم
وغيرهم , ممَّن تجب عليه نفقتهم ، وهذا الصحيح من المذهب (يعني مذهب الإمام أحمد) "
انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" حاجة الإنسان إلى الزواج مُلِحَّة ، قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل
والشرب ، ولذلك قال أهل العلم : إنه يجب على مَن تلزمه نفقة شخص أن يزوِّجه إذا كان
ماله يتسع لذلك ، فيجب على الأب أن يزوِّج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن
عنده ما يتزوَّج به " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (18/410) .
ثالثًا :
من الأعذار التي تُبيح تأخير الحَجّ : تزويج الرجل ابنَه إذا كان محتاجًا للزواج
ويخشَى عليه من الوقوع في الفتنة والحرام ، والمال يكفي إمَّا للحج أو للزواج ،
فالحَجُّ لا يجب على الرجل إلا إذا ملك مالاً فائضًا عن نفقته ونفقة مَن تلزمه
نفقته ، وتزويج الولد من النفقة الواجبة كما تقدَّم .
ثم إنَّ إعفاف الرجلِ ولدَه وصيانته عن الوقوع في الحرام ، عند قوة الفتن والشهوات
: أمرٌ لا يحتمل التأخير ، والحجّ يمكن تأخيره بعد تزويج الولد .
قال ابن قدامة رحمه الله في
" المغني " (3/217) :
" وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا ( يعني : مال الحجّ ونفقته ) فَاضِلاً عَمَّا
يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مَئُونَتُهُمْ ، فِي
مُضِيِّهِ وَرُجُوعِهِ ؛ لأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِحُقُوقِ
الْآدَمِيِّينَ ، وَهُمْ أَحْوَجُ ، وَحَقُّهُمْ آكَدُ ...
وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ ( أي : الوقوع
في الحرام ) ؛ قَدَّمَ التَّزْوِيجَ ( يعني : على الحج ) ؛ لأَنَّهُ وَاجِبٌ
عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا
يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ " انتهى .
وقال رحمه الله أيضا – كما سبق - : " قَالَ أَصْحَابُنَا : وَعَلَى الْأَبِ إعْفَافُ ابْنِهِ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ ، نَفَقَتُهُ ، وَكَانَ مُحْتَاجًا إلَى إعْفَافِهِ " انتهى من " المغني " (8/217) .
وقد سئل سماحة الشيخ عبد
العزيز بن باز رحمه الله :
" أنا شاب أبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً - طالب في المدرسة ثالث ثانوي - ، ولي
والدة تبلغ من العمر حوالي ثمانية وخمسين عاماً ، والدي متوفى منذ خمسة عشر عاماً ،
وتريد والدتي أن تذهب إلى الحج ، ولكنها تقول : إن ذلك لا يجوز وهو حرام حتى أتزوج
، أرجو من سماحتكم إفادتي إذ والدتي تفضل تزويجي قبل أدائها للحج ؟
فأجاب :
لا شك أن الحج فرض على كل إنسان ، استطاع السبيل إليه ؛ لقول الله عز وجل : (
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) ،
فإذا كنت تستطيع الحج من جهة المال ، وجب عليك الحج وإذا كانت تستطيع الحج هي من
جهة المال ، وجب الحج ، وإن بدأت بالزواج ؛ لأنك بحاجة إلى الزواج فلا حرج ؛ لأن
الزواج أيضًا فرض مع الشهوة ، والرغبة فيه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا
معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم
يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ، وبكل حال لا بأس أن تقدم الحج على الزواج
....... " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن باز (20/42) .
فإذا كان الحال كما ذكرَ السائلُ في سؤاله ، أنَّه يخشى الفتنة على أولاده ، ويريد تزويجَ بعضهم بالمال الذي سيحج به ؛ فلا حرجَ عليه في هذه الحالة أن يؤخِّر الحج إلى أن ييسر الله له ؛ منعًا لهذه المفسدة العظيمة .
والله أعلم .