الحمد لله.
بداية نسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر والمثوبة جزاء إحسانك لهؤلاء الضعفاء ،
فذلك من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى ، وإذا أتقنت عملك ، وبذلت فيه جهدك
ونُصحك ، ليتضاعف أجرك بإذن الله عز وجل ، فالله يحب الإحسان والإتقان في العمل ،
وقد قال عز وجل: ( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ
الْمُحْسِنِينَ ) الزمر/34.
وننبهكِ هنا إلى الأحكام الشرعية التي تجيب على تساؤلاتك :
أولا :
لا حرج عليك في خلع الحجاب بين يدي الأطفال الصغار الذين لم يبلغوا سن الحلم ، وهو
سن الخامسة عشرة ، ولم يقاربوا سن البلوغ ، ولم تبدُ عليهم علاماته .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (17/ 191):
" حجاب المرأة إنما يجب عن الرجال البالغين الذين ليسوا من محارمها ، وأما الأطفال
الذين لم يبلغوا الحلم ، أو الرجال المحارم : فلا تحتجب عنهم المرأة ؛ لقوله تعالى:
( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ
بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا
لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ
أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ
بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ
التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ
لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ
لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا
أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31" انتهى.
وقد سبق تقرير ذلك بتوسع في الموقع ، في الفتوى رقم : (3148)
ثانيا :
كما لا حرج عليك في خلع الحجاب عند المراهقين – الذين قاربوا البلوغ ولمّا يبلغوا
بعد – بشرط أن يصدق فيهم القيد الكريم في الآية الكريمة ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ
لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ )، فإذا كان المراهق مصابا بإعاقة
ذهنية أو جسدية ، تجعله كالطفل الصغير ، في عدم معرفته بأمور النساء ، أو علاقة
الرجال بهن : فإنه يلحق حكمه بحكم الطفل في جواز خلع الحجاب عنده .
وقد سبق بيان تفسير الآية الكريمة في الفتوى رقم : (115351)
ثالثا :
لا حرج أيضا في كشف الحجاب عند كل معاق أفقدته إعاقته كل رغبة في النساء ، ويعلم
الأطباء أن مثله لا رغبة له في النساء بسبب إعاقته ، ولم تظهر تجربته خلاف المعروف
طبيا من حالته ؛ فمثل هؤلاء أيضا تسامحت الشريعة فيهم، بشرط أن تكون هناك حاجة
معتبرة لمخالطتهم والتعامل معهم ، كما هو الحال في سؤالك ، حيث تقومين على رعايتهم
والعناية بهم .
والدليل على ذلك قول الله عز وجل – في معرض ذكر الذين تتخفف المرأة من حجابها
أمامهم : ( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ )
النور/31.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله :
" اختلف الناس في معنى قوله : ( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ )
فقيل : هو الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء . وقيل : الأبله . وقيل : الرجل يتبع
القوم فيأكل معهم ويرتفق بهم ؛ وهو ضعيف لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن . وقيل :
العِنِّين . وقيل : الخصي . وقيل : المخنث . وقيل : الشيخ الكبير والصبي الذي لم
يدرك .
وهذا الاختلاف كله متقارب المعنى ، ويجتمع فيمن لا فهم له ، ولا همة ينتبه بها إلى
أمر النساء " انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " (12/234).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" استثنى القرآن بعض الرجال ... فلم يمنع من إبداء الزينة الخفية لهم ، لعدم الشهوة
" انتهى من " مجموع الفتاوى " (15/ 373).
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (4/ 265):
" المراد بغير أولي الإربة : من يتبع أهل البيت لطعام ونحوه ، ولا حاجة له في
النساء ؛ لكونه عنينا ، أو معترضا ، أو أبله ضعيف العقل ، لا ينتبه إلى ما يثير
الشهوة من زينة أو جمال ، أو رجلا كبير السن أضعفه الكبر حتى صار لا هم له في
النساء " انتهى.
وسئل العلامة ابن جبرين رحمه الله السؤال الآتي :
الشخص المتخلف عقلياً البالغ ، هل يجب على النساء أن يتحجبن عنه ؟
فأجاب :
إذا كان التخلف شديداً ، بحيث لا يعقل ولا يفهم ، ولا يدرك المعاني ، وليس له
الشهوة التي تبعثه إلى النظر واللمس ونحو ذلك ، ولا همة له نحو النساء ، بل هو
كالطفل أو أقل حالة ، فلا حاجة إلى التحجب عنه ، ويدخل في قوله تعالى : ( أو
التابعين غير أولي الإربة من الرجال ) النور/31. أما إذا كان يعقل بعض هذه الأشياء
، وله ميل إلى النساء ، ويظهر من كلامه أنه يحس بشهوة ، فلا يمكن من دخوله على
النساء ، ويلزمهن التحجب عنه ، لقصة ذلك المخنث الذي قال لأخي أم سلمة : إذا فتحتم
الطائف فإني سأدلك على ابنة غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان . فقال النبي صلى
الله عليه وسلم : ( أرى هذا يعرف ما ها هنا، لا يدخل عليكن ) رواه البخاري " انتهى
من "فتاوى الشيخ ابن جبرين" (21/ 16، بترقيم الشاملة آليا)
وللمزيد ينظر في الفتوى رقم : (2198) .
رابعا :
كما سبق الجواب بجواز خلع الحجاب بحضور البالغ الأعمى ، فمن باب أولى بحضور الصغير
الأعمى ، أو صاحب الإعاقة البصرية ؛ لكن ذلك مشروط بأن تكون هذه الإعاقة مانعة له
من الاطلاع على عورات النساء ، وأن تكون متحققة في كل المتواجدين في المكان ؛ فإذا
كانت متحققة في بعضهم ، والبعض الآخر له اطلاع على ذلك ، لم يحل لها أن تخلع حجابها
، حتى تكون في مأمن من اطلاع من يمكنه النظر إلى المرأة ، والاطلاع على عورتها .
وينظر الفتوى رقم : (92753)
خامسا :
أما اللمس والمداعبة الجسدية المباشرة فهذه الأمور لا يجوز ممارستها إلا للأطفال
الصغار الذي يعتاد ذلك مع أمثالهم .
وأما غير الأطفال ، من المراهقين الذين قاربوا البلوغ ، أو البالغين الذين ليس لهم
شهوة تجاه النساء ، فلا نرى جواز ذلك معهم أيضا ، لما في اللمس والمداعبة من فتنة
زائدة على مجرد النظر وخلع الحجاب ، سواء من قبل اللامس أو الملموس ، ولما فيه من
تحريك دواعي الشهوة ، حتى عند الغافل عن مثل ذلك .
جاء في " حاشية المغربي على نهاية المحتاج " (6/190):
" الممسوح [الذي لا شهوة له] كالمَحْرَم ، في حل النظر فقط ، لا في نحو المس "
انتهى
ولكن يستثنى من ذلك : حالة الضرورة والحاجة الشديدة ، بمعنى أنه إذا
لم يكن هناك من يقوم بشؤونه غيرك ، سواء في أمور التطبيب أو التنظيف ونحوها , وكان
ترك ذلك سيعرضه للتلف أو الضرر , فلا حرج عليك في مباشرة أمره ، وإصلاح حاجته ، مع
أمن الفتنة .
فقد نص الفقهاء على أن حالات التطبيب من الحالات التي تجيز اللمس بين الرجل والمرأة
؛ لكن بشرط أن تستعملي حائلا ، من قفاز أو نحوه ، ولا تباشري ذلك بيدك ، مع
الاجتهاد في ستر عورته ، وغض البصر عما لا يحتاج إليه ، قدر الطاقة .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم 177015 ورقم
135658