الحمد لله.
قال ابن الملقن : "
فَإِنَّهُ قد ثَبت سَماع قَتَادَة من عبد الله بن سرجس ... قَالَ عَلّي بن
الْمَدِينِيّ : سمع قَتَادَة من عبد الله بن سرجس .
وَعَن أبي حَاتِم الرَّازِيّ أَنه قَالَ : لم يلق قَتَادَة من الصَّحَابَة إِلَّا
أنس بن مَالك وَعبد الله بن سرجس .
وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك : " لَعَلَّ مُتَوَهمًا
يتَوَهَّم أَن قَتَادَة لم يذكر سَمَاعه من عبد الله بن سرجس وَلَيْسَ هَذَا
بمستبعد " انتهى من " البدر المنير " (2/323) .
وقال الشيخ ابن عثيمين : " أقلُّ أحواله أن يكون حسناً ؛ لأنَّ العلماء قَبِلوه ، واحتجُّوا به " انتهى من " الشرح الممتع " (1/120) .
والْجُحْرِ : الثَّقْب ،
سواء في جدار أو في الأرض .
وقيل: " هُوَ مَا تحْتَفِرهُ الْهَوَامّ وَالسِّبَاع لِأَنْفُسِهَا " انتهى من "
حاشية السيوطي على سنن النسائي " (1/30) .
أي الحفر التي تكون في الأرض ، والتي تحفرها بعض الحيوانات ، أو بعض هوام ودواب
الأرض ، وتدخلها وتكون فيها.
وكراهة البول في الجُحر متفق عليها بين الفقهاء ، كما ذكر الإمام النووي في "
المجموع " (2/86) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (34/17) : " يُكْرَهُ التَّبَوُّل فِي ثَقْبٍ أَوْ سَرَبٍ ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ ... وَلأِنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ عَلَيْهِ مِنَ الْجُحْرِ مَا يَلْسَعُهُ ، أَوْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْبَوْل ، قَال النَّوَوِيُّ : هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ ، وَقَال الْبُجَيْرِمِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ : يَظْهَرُ تَحْرِيمُهُ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِهِ حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا يَتَأَذَّى أَوْ يَهْلِكُ بِهِ" انتهى .
ثانياً : في سبب هذا النهي
علتان :
1- " أَنَّهُ مَأْوَى الْهَوَامّ الْمُؤْذِيَة ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبهُ
مَضَرَّة مِنْهَا " انتهى من " عون المعبود " (1/51) .
قال الشيخ ابن عثيمين : " فيُخشَى أن يكونَ في هذا الجُحر شيء ساكن فتُفْسِد عليه
مسكنه ، أو يخرج وأنت على بولك فيؤذيك ، وربما تقوم بسرعة فلا تسلم من رَشاش البول
" انتهى من " الشرح الممتع " (1/120) .
وربما رأى حيةً أو ثعباناً ففزع ، فكان سبباً في حصول الضرر في بوله وجسده .
2- أنها مساكن الجن ، وقد جاء في رواية أبي داود (29) : قَالُوا لِقَتَادَةَ : مَا
يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ ؟
قَالَ : كَانَ يُقَالُ : " إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ " .
قال الحاكم : " ولست أبتُّ القول إنها مسكن الجن ؛ لأن هذا من قول قتادة " انتهى من
" المستدرك على الصحيحين " (1/297).
وقد ذكر كثير من المؤرخين
أنَّ سيِّدَ الخزرج سعدَ بنَ عبادة رضي الله عنه سافر من المدينة بعد موت رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى "حوران" ، وأقام بها ، فجلس يوماً يبول في ثقب في الأرض ،
فما إن فرغ من بوله حتى استلقى ميِّتاً .
ولم يعلم أهل المدينة بموته حتى سمعوا قائلاً من الجن في بئر يقول :
نحنُ قَتَلْنا سَيِّدَ الخَزْ *** رَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادهْ
وَرَمَيْنَاهُ بسَهْمـَيْـ *** ـنِ فلم نُخْطِئ فُؤادَهْ
فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه .
وهذه القصة - وإن كان في سندها كلام عند المحدثين - ، إلا أنها مشهورة عند المؤرخين
، حتى قال ابن عبد البر: " ولم يختلفوا أنه وجد ميتاً في مغتسله ، وقد اخضرَّ جسده
" انتهى من " الاستيعاب في معرفة الأصحاب " (2/599) .
ثالثاً : اختلف العلماء في
هذا النهي : هل ينطبق على من يتبول مباشرة في البالوعة أم لا ؟.
فمنهم من قال : إن النهي يشمله ، وقال ابن مفلح : " وَلَا فرق بَين أَن يكون فَم
بالوعة أَو غَيرهَا " انتهى من " النكت والفوائد " (1/ 9) .
ومنهم من قال : لا يشمله ، لأنها معدَّة لذلك ، كما قال ابن عابدين في " حاشيته "
(3 / 59) : " وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ ، كَبَالُوعَةٍ فِيمَا
يَظْهَرُ " انتهى .
وقال الدَّميري من الشافعية : " وينبغي تحريم ذلك ؛ للنهي الصريح ، إلا أن يُعَدَّ
لذلك ، فلا حظر ولا كراهة " انتهى من " النجم الوهاج في شرح المنهاج " (1/292) .
وهذا القول الثاني هو الأرجح ؛ لأن العلة التي من أجلها نهى عن البول في الحجر غير
موجودة هنا .
والله أعلم .