كيف يتصرف مع والدته التي تضربه هو وإخوته ؟
عندي أمّ متعسفة تضربني وإخوتي كلما غضبت ، وأشعر أن من واجبي حماية نفسي والجميع منها ، لأن الأمر فيما يبدو خارج عن سيطرتها، والغريب في الأمر أنها هي نفسها مسلمة! فما العمل؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
حق الوالدين عظيم ولو كانا كافرين ، وإساءة أحدهما مهما بلغت ، لا تبرر للولد أن
يقصر في حقوقهما عليه ، فضلا عن أن يسيء إليهما ، وقد أمر الله عز وجل بحسن صحبتهما
، وإن اجتهدوا غاية الاجتهاد في دعوة الولد إلى الشرك ، فقال سبحانه : ( وَإِنْ
جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) لقمان/15 ؛ فكيف بالوالدة المسلمة ؟!
وقد روى البخاري ومسلم ، عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : " جاء رجل إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي ؟ قال : (أمك) ، قال :
ثم من ؟ قال : (أمك) ، قال : ثم من ؟ قال : (أمك) ، قال : ثم من ؟ قال : (ثم أبوك)
" .
وفي الصحيحين أيضا ، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: " سألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : ( الصلاة على وقتها ) ، قلت : ثم أي ؟
قال : ( بر الوالدين ) ، قلت : ثم أي ؟ قال : ( الجهاد في سبيل الله ) .
فالواجب عليك أن تتمالك نفسك عندما ترى من والدتك ما يغضبك ، وأن تستعيذ بالله من
الشيطان الرجيم ، وأن تسلك طرقاً حكيمة في تهدئة غضبها .
وكثيرا ما يكون الأبناء صغارا ، لا يدركون مصلحتهم ، ويظنون أن آباءهم يظلمونهم
بالعقوبة ، أو أن لهم رغبة في التعدي على خصوصياتهم وكبت حرياتهم ، ثم عندما يكبرون
يدركون حنكة آبائهم ، وصواب أفعالهم .
وستجد كثيرا من الأبناء لا يردعهم آباؤهم عن أخطائهم وشهواتهم ، وتظن أنهم محظوظون
بمثل هؤلاء الآباء ، كما يظن ذلك كثير من الشبان الذين هم في مثل سنك .
وقد كان رجل من الناس لا يضربه أبوه ، ولا يبالغ في زجره ، عندما يترك الدرس ، أو
يرى منه خطأ ؛ فلما نشأ وكبر ، إذا بالغلمان قد تعلموا وانتفعوا بتأديب آبائهم ،
وهو لم يستفد شيئا ، بل فاته التعلم ، وعرف بين الناس بسوء الأدب ، وإهمال والديه
له ، فمر يوما بطفل يبكي من عقاب والده له ، فقال له : "ليت أبي كان يعاقبني مثل
أبيك" .
وقد فطر الله قلب الأم على الرحمة والشفقة على أبنائها ، والأمهات في ذلك يتفاوتن ،
ويندر جدا أن توجد أم تضرب أبناءها ، وهي تستلذ بعقابهم ، فلابد من مصلحة تراها هي
في ذلك الضرب ، إما لتحصيل منفعة ، أو دفع مفسدة ، قد لا يقدّرها الابن ، فيظن ذلك
تعنتا .
ثانيا :
أما لو تبين أن والدتك غير محقة في معاقبتك ، فالذي عليك أن تسعى في التخلص من
عقوبتها، أو تخليص إخوتك من ذلك ، لكن بحكمة وبلطف ، من غير أن يوقعك ذلك في عقوق
والدتك ، أو الإساءة إليها ؛ مثل أن تحول بينها وبين ضربهم بإدخالهم في غرفة ، أو
إخراجهم من البيت ونحو ذلك ، مع الإحسان إلى الوالدة والمبالغة في ذلك ، امتثالا
لوصية النبي صلى الله عليه وسلم بها .
وأفضل شيء ألا تتصدى لأمك في وقت غضبها ، بل تجنب ذلك ، أنت وإخوتك ، قدر المستطاع
.
وإذا كان لك والد يعيش معكم ، فتفاهم معه ، أن يحاول هو حل هذه المشكلة .
وإذا لم يكن لك والد ، فبإمكانك أن تستعين بأخوالك ، أو ذوي الحكمة من أقربائك
المسلمين ، إن كان أحد منهم قريبا منكم ، ورأيت أنه يمكن أن يؤثر عليها ، أو أنها
ستنتفع بذلك .
نسأل الله أن يصلح ذات بينكم ، وأن يحنن قلبها عليكم ، ويجعلكم من الأبناء البررة ،
ويجمع قلوبكم على ما يحبه ويرضاه .
وللاستزادة في تأكيد حق الوالدين ينظر جواب سؤال رقم : (30893)
، (13783) .
والله أعلم .