فتاة وقعت في الزنا ويريد أهلها أن يزوجوها زواجا صوريا من قريب لهم بغرض الستر عليها ثم تطلق بعد ذلك وتتزوج على أنها ثيب
أنا متزوجة من رجل مطلق لديه ثلاث بنات ، وقد أنجبت له ثلاث بنات أخريات ، البنت الكبرى من بناته وعمرها حوالي 24 سنة ، اقترفت الزنا عدة مرات من دون علم الأب طبعا ، ثم اكتشف الأب وإخوانه وأخواته الموضوع ، وقرروا حبسها في البيت حتى يختار الله لها ما يشاء .
لقد مضى على هذا الموضوع أكثر من سبعة أشهر ، والبنت تقول : إنها تابت ، ونحن كلنا في العائلة لا نصدقها ، لأنها قد قالت هذا من قبل ، ثم لما تمكنت هربت من بيت العائلة ، وفي إحدى هذه المرات قام أبوها بإبلاغ الشرطة ، وعمل محضرا رسميا بهذا الخصوص .
المشكلة أنه تقدم الآن لها عريس ، والأب لا يستطيع أن يوافق عليه ؛ لأنه سوف ينفضح أمره وأمر ابنته التي ليست عذراء .
فقررت أنا أن أخبر أخي بالقصة كاملة ، ويتزوجها ويشهر زواجه بها ، من أجل أن يستر عليها فقط ، ثم بعد عدة أشهر ربما ثلاثة أو أربعة يطلقها.
لكن عند الطلاق : إذا سأل القاضي أخي هل دخل على زوجته أم لا ؟ فهل يجوز له أن يكذب ويقول نعم ، وهو لم يختلِ بها ؟
لأنه كما تعلم يا شيخ أن القاضي يجب أن يثبت في صك الطلاق إن كانت المطلقة بكرا أم ثيبا ، فهل يأثم الزوج أم لا ؟
علما أن العملية كلها كما أسلفت الهدف منها الستر على البنت لعلها تتزوج وتتعفف .
وهل يجوز أن أزوجها شخصا آخر بعد طلاقها دون أن أخبره بحقيقة ماضيها ؟
وهل يجب أن تتزوج يا شيخ الزانية فقط زانيا حتى لو تابت ، وهل علي إثم لأني سعيت بموضوعها ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
ما فعله هذا الأب وأولاده مع ابنتهم التي ثبت زناها من حبسها هو الحكمة والصواب ,
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن امرأة تفعل الفاحشة ولها أولاد , فأجاب : "
الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات , فإن لم تمتنع إلا بالحبس
حبسوها ؛ وإن احتاجت إلى القيد قيدوها، وما ينبغي للولد أن يضرب أمه ، وأما برها
فليس لهم أن يمنعوها برها ، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء ؛ بل
يمنعوها بحسب قدرتهم ، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها ، وكسوها، ولا يجوز لهم
إقامة الحد عليها بقتل ولا غيره ، وعليهم الإثم في ذلك" انتهى من " الفتاوى الكبرى"
(3 / 410) .
فإذا كان – رحمه الله – قد أفتى بحبس الأم وربطها : فأولى أن يُفتَى بذلك في الابنة
، فحق الابنة دون حق الأم بكثير , وينبغي أن يضموا إلى ذلك محاولات استصلاحها وحضها
على التوبة وتذكيرها بالله جل وعلا ترغيبا وترهيبا , وقد سبق بيان طرق استصلاح
الابنة غير المستقيمة في الفتوى رقم : (96371)
.
فإن ظهرت أمارات التوبة عليها ، وعُلِم صدقها في ذلك ، أو غلب على الظن أنها قد
تابت فعلا ؛ فزوجوها لمن يتقدم لها من المسلمين ؛ لأنها بتوبتها تكون خرجت عن وصف
الزنا ، فيصح زواجها من العفيف , ففي الحديث ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: (التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) , وقد سبق معنى الحديث في
الفتوى رقم : (182767) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا زال
الذنب زالت عقوباته وموجباته " انتهى من "شرح العمدة (4/39) .
وقال أيضا : " التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنَبَ لَهُ ، وَحِينَئِذٍ
فَقَدَ دَخَلَ فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ
فَرَجًا وَمَخْرَجًا ؛ فَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ ، فَكُلُّ مَنْ تَابَ
فَلَهُ فَرَجٌ فِي شَرْعِهِ ؛ بِخِلَافِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّ التَّائِبَ
مِنْهُمْ كَانَ يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتِ: كَقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ "
انتهى من " مجموع الفتاوى" (33/35) .
ثانيا:
إذا اتفق أن تقدم إليها مستور الحال من المسلمين ، أو من هو معروف بالعفة والصلاح ،
فلا يجب ، بل ولا يجوز لها ولا لغيرها ، أن يخبره بماضيها الذي تابت منه , حتى ولو
كانت قد زالت عذريتها ؛ لأن العذرية تزول بأسباب كثيرة غير الفاحشة ، فتزول مثلا
بالحيضة الشديدة , والوثبة الشديدة , والركوب على شيء حاد , ونحو ذلك .
ومتى تزوجت ، ثم ظهر لزوجها أنها ليست بكرا ؛ فعليها أن تستعمل من المعاريض
والتورية ما يفهم معه أن زوال بكارتها كان بسبب مباح , ويراجع في ذلك الفتوى رقم :
(175808) .
وهذا الذي ذكرناه يغنيك عن كل ما سألت عنه من الزواج الصوري , ثم التطليق , ثم
الكذب على القاضي , وغير ذلك مما لا يخلو من إثم وكذب ومخالفة لشرع الله جل وعلا.
ولتعلمي أيتها السائلة أن الزواج عقد خطير وميثاق غليظ , فلا يجوز أن يستعمل في غير
ما شرعه الله له من الإعفاف والإنجاب والسكن والمودة .
أما استعماله في أغراض غير هذه كالحصول على الإقامة في بلد ما , أو مجرد الستر على
منحرفة , ثم إذا تم الغرض حصل الطلاق ؛ فهذا لا يجوز .
وننبهك إلى أنه إن تم الزواج بين هذه الفتاة وبين شخص ما ، واستجمع عقد النكاح
أركانه وشروطه ، فإنه يترتب عليه آثاره كلها , وتصير المرأة زوجا لهذا الشخص ولو
كان زواجا صوريا , فإن هزل النكاح جد , وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (106719)
.
ثالثا:
لا يجب أن تتزوج الزانية زانيا ، لا قبل التوبة ولا بعدها , وليس المقصود من قوله
تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً ... الآية ) النور/3 ، أن الزاني
ليس له أن يتزوج إلا زانية ، وكذلك المرأة الزانية ليس لها أن تتزوج إلا زانيا ، بل
المقصود من الآية : حرمة نكاح الزاني أو الزانية من العفيف ، ما لم يتوبا , وقد سبق
توضيح ذلك في الفتوى رقم : (199600) .
والله أعلم .