الحمد لله.
قال النووي رحمه الله :
" قَوْله : ( جَاءَ مَاعِز بْن مَالِك إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه طَهِّرْنِي , فَقَالَ : وَيْحك اِرْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّه وَتُبْ إِلَيْهِ , فَرَجَعَ غَيْر بَعِيد ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه طَهِّرْنِي . . . إِلَى آخِره ) ، وَمِثْله فِي حَدِيث الْغَامِدِيَّة ( قَالَتْ : طَهِّرْنِي , قَالَ : وَيْحك اِرْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّه وَتُوبِي إِلَيْهِ ) هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْحَدّ يُكَفِّر ذَنْب الْمَعْصِيَة الَّتِي حُدَّ لَهَا , وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِت - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - , وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَته ) وَلَا نَعْلَم فِي هَذَا خِلَافًا . وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى سُقُوط إِثْم الْمَعَاصِي الْكَبَائِر بِالتَّوْبَةِ , وَهُوَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، إِلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي تَوْبَة الْقَاتِل خَاصَّة . وَاللَّهُ أَعْلَم . فَإِنْ قِيلَ : فَمَا بَال مَاعِز وَالْغَامِدِيَّة لَمْ يَقْنَعَا بِالتَّوْبَةِ وَهِيَ مُحَصِّلَة لِغَرَضِهِمَا وَهُوَ سُقُوط الْإِثْم , بَلْ أَصَرَّا عَلَى الْإِقْرَار وَاخْتَارَا الرَّجْم ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّ تَحْصِيل الْبَرَاءَة بِالْحُدُودِ وَسُقُوط الْإِثْم مُتَيَقَّن عَلَى كُلّ حَال لَا سِيَّمَا وَإِقَامَة الْحَدّ بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَمَّا التَّوْبَة فَيُخَاف أَنْ لَا تَكُون نَصُوحًا , وَأَنْ يُخِلّ بِشَيْءٍ مِنْ شُرُوطهَا , فَتَبْقَى الْمَعْصِيَة وَإِثْمهَا دَائِمًا عَلَيْهِ , فَأَرَادَا حُصُول الْبَرَاءَة بِطَرِيقٍ مُتَيَقَّن دُون مَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِ اِحْتِمَال . وَاللَّهُ أَعْلَم " انتهى من " شرح صحيح مسلم للنووي " (11/199) .
ثانياً :
إذا تاب الشخص من الزنا ، فإنه يرتفع عنه وصف الزنا ، فلا يعد داخلاً في النهي الوارد في قوله تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور : 3 .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم (199600) ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني . فالتائب من الزنى في حكم الشرع كأنه لم يقع في تلك الفاحشة .
فما دمت قد تبت إلى الله من ذلك الذنب ، فلا تلتفت إلى الماضي ، واعلم أن الله بفضله وكرمه يقبل التوبة من عبده مهما عظم الذنب ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان : 68-71 .
وعليه ، فيجوز لك الزواج من امرأة ملتزمة عفيفة ، وينبغي أن تستر نفسك ، فلا تخبر أحداً – حتى من تريد الزواج منها - بما وقع منك من زنا ، نسأل الله أن يرزقك الزوجة الصالحة .
وينظر للفائدة الفتوى رقم : (95754) ، و (127635) .
والله أعلم .