لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه كان لا يرفع يديه مع التكبير في الصلاة ؟
هل ورد عن الخلفاء الراشدين أنهم كانوا لا يرفعون أيديهم مع التكبير في الصلاة ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه مع التكبير في أربع مواضع في
الصلاة ، وهي : مع تكبيرة الإحرام ، وعند الركوع ، وبعد الرفع من الركوع ، وبعد
القيام إلى الركعة الثالثة ، روى البخاري (739) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
قال : " كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ
وَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ
رَفَعَ يَدَيْهِ " .
قال الإمام البخاري : قال علي بن المديني – وكان أعلم أهل زمانه - : "حق على
المسلمين أن يرفعوا أيديهم لهذا الحديث" انتهى .
وقد روى أحاديث الرفع جماعة من الصحابة بلغوا ثلاثين صحابيا رضي الله عنهم منهم :
أبو حميد ، رواه في محضر عشرة من الصحابة منهم أبو قتادة فصدقوه وقالوا : " هكذا
كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، ورواها أيضا عمر بن الخطاب ، وعلي بن
أبي طالب وعبد الله بن عمر ، ووائل بن حجر ، ومالك بن الحويرث ، وأنس ، وأبو هريرة
، وأبو أسيد ، وسهل بن سعد ، ومحمد بن مسلمة ، وأبو موسى ، وجابر بن عمير الليثي
... وغيرهم .
فصار الحديث بذلك متواترا لا يتطرق إليه شك ، وقد عمل به الصحابة وأنكروا على من لم
يعمل به .
كان عبد الله بن عمر إذا رأى من لا يرفع رماه بالحصباء ، وهي الحجارة الصغيرة التي
كانوا يفرشونها في المسجد ، وأمره أن يرفع ، رواه البخاري في كتابه "رفع اليدين" .
وقال النووي : إسناده صحيح . المجموع (3/375) .
وذهب الحنفية إلى أنه لا يستحب رفع اليدين إلا في تكبيرة الإحرام فقط ، وعارضوا هذه
الأحاديث بحديثين : أحدهما عن البراء بن عازب ، والثاني عن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنهما ، وكلاهما ضعيف لا يصح الاحتجاج به .
فحديث البراء ضعفه الأئمة سفيان بن عيينة ، والشافعي ، وأحمد ، ويحيى بن معين ،
والبخاري ، وغيرهم .
وحديث ابن مسعود ضعفه الأئمة عبد الله بن المبارك ، وأحمد ، والبخاري ، والدارقطني
، والبيهقي ، وغيرهم .
ثانيا :
أما ورود ذلك عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، فقد سبق أن عمر بن الخطاب ، وعلي
بن أبي طالب رضي الله عنهما ممن رووا أحاديث الرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
فلا شك أنهما كانا يرفعان أيديهما ، ولا يجوز أن يظن بهما غير ذلك ، ولذلك ذكرهما
العلماء من الصحابة الذين كانوا يرفعون أيديهما في الصلاة .
وأما أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فقد ورد عنه ما يشير إلى ذلك .
فقد روى ابن المنذر في " الأوسط " (3/304) عن الإمام عَبْد الرَّزَّاقِ الصنعاني
أنه قال : " أَخَذَ أَهْلُ مَكَّةَ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فِي
الِافْتِتَاحْ وَالرُّكُوعِ ، وَرَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ ، وَأَخَذَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ ، وَأَخَذَهُ عَطَاءٌ عَنِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ،
وأخذه أبو بكر الصديق عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وقال البيهقي (2535) بعد أن روى رفع اليدين عن بعض الصحابة ، قال : " وروينا عن أبي
بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وجابر بن عبد الله ، وعقبة بن
عامر ، وعبد الله بن جابر البياضي رضي الله عنهم .
وقد روى بعض الناس عن أبي بكر وعمر وعلي أنهم لم يكونوا يرفعون أيديهم في الصلاة .
وهذا لا يصح عنهم .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : ولا يثبت عن علي وابن مسعود ، يعني : ما روي عنهما
أنهما كانا لا يرفعان أيديهما من غير تكبيرة الإحرام .
بل قال الإمام البخاري رحمه الله : لم يثبت عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه لم يرفع يديه .
وقال الحسن البصري رحمه الله : رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون
أيديهم إذا كبروا وإذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم ، قال الإمام البخاري : فلم يستثن
أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد جزم بعض الأئمة بصحة رفع اليدين عن الخلفاء الراشدين ، فقد ختم البيهقي البحث
في هذه المسألة بما رواه عن الإمام أبي بكر بن إسحاق الفقيه ، قال : " قد صح رفع
اليدين (يعني في هذه المواضع) عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن الخلفاء الراشدين
، ثم عن الصحابة والتابعين" انتهى .
انظر : " الأوسط " لابن المنذر (3/299-308) ، " المجموع " للنووي (3/367-376) ، "
المغني " لابن قدامة (2/171-174) .
والله أعلم .