الحمد لله.
ولكن من لم تكن له حاجة للتعدد ، وكان التعدد سيجلب عليه الخلافات والخصومات , مما يجعل بيته الأول في مهب الريح ، وعلى حافة التفكك والانهيار ؛ فإن الأوْلى في حقه الاكتفاء بزوجته الأولى ، لا سيما إذا كان له منها ولد , ويتأكد هذا في زماننا الذي ضعف فيه الدين ، وقل فيه العقل ، حتى صار التعدد عند كثير من الناس شبيها بالفاحشة والعياذ بالله تعالى .
جاء في " المجموع شرح المهذب " (16/137) : " قال الصيمري : إلا أن المستحب أن لا يزيد على واحدة ، لاسيما في زماننا هذا . أي : في زمان الصيمري " انتهى .
فإذا كان هذا في زمان الصيمري الذي عاش في القرنين الرابع والخامس الهجريين ؛ فكيف بزماننا هذا ، نسأل الله تعالى العافية والسلامة .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12/13) :
" الاقتصار على الواحدة أسلم ، ولكن مع ذلك إذا كان الإنسان يرى من نفسه أن الواحدة لا تكفيه ، ولا تعفه ، فإننا نأمره بأن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة ، حتى يحصل له الطمأنينة ، وغض البصر ، وراحة النفس " انتهى .
ثانيا :
زواج الرجل من زوجة ثانية لا يعد ظلما للأولى ، ولا انتقاصا لحقها ، ما دام أنه سيعدل بينهما , ولهذا فلا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق بسبب زواج زوجها من امرأة أخرى ، ما دام أنه يلتزم العدل ، ويوفيها حقوقها الشرعية .
فإن فعلت ذلك ، فقد عرضت نفسها للوعيد الوارد ، فيما أخرجه أبو داود (2226) ، والترمذي (1187) ، وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .
وأيضا : لا يجوز للزوجة الأولى أن تطلب من زوجها تطليق زوجته الثانية ؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا ) رواه البخاري ( 5152) ، ومسلم ( 1408) .
ولا يجوز للزوجة الأولى ظلم الثانية ، ولا سبها ، ولا إيذاؤها بأي نوع من أنواع الأذى لمجرد أن زوجها قد تزوج بها , فكل هذا محرم ؛ فقد قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) الأحزاب/58 .
وعليه ؛ فإن ما تقوم به زوجتك الأولى من إهانة الثانية وسبها والتشهير بها أمر محرم ، فعليك أن تذكرها بالله جل وعلا وتخوفها من أخذه وعقابه , هذا أولا .
ثم عليك في المقام الثاني أن تصبر عليها ، وأن تقدر شعورها كامرأةٍ تكره أن يتزوج زوجها عليها ، وانصح لها دائما ، وذكرها بأن التعدد من شرع الله الحكيم ، ومن مقتضى الإيمان بالله أن تتقبل الحكم الشرعي : بطيب نفسٍ ورضى ، وأن تصبر وتحتسب ، على ما تلاقيه من كرب الغيرة وشدتها .
وعليك أن تكثر من الدعاء والتضرع إلى الله جل وعلا أن يفرج كربك وأن يصلح لك زوجك .
فإن لم تستطع التوفيق بين زوجتيك ، وصارت المشاكل تلاحقك باستمرار ، فهذا لا يتحمله الإنسان في الغالب ، وحينئذ ستكون مضطرا لتطليق إحدى الزوجتين .
والذي يظهر - والله أعلم - أن تطليق الثانية أقل ضررا ومفسدة ؛ حفاظا على أولادك ، وحرصا على نشأتهم بين أبويهم , والزوجة الثانية - وإن تضررت بالطلاق - فإن الأمر في حقها يمكن تحمله ؛ لأن الزواج في حقها لم يتجاوز العقد .
فإن طلقت الثانية ، فاحرص على توفية حقوقها كاملة بحيث يكون هذا جبرا لكسرها ، فلا يجتمع عليها ألم الفراق والحرمان من الحقوق .
ومن حقوقها عليك : أن توفيها صداقها كاملا ؛ لأنك خلوت بها ، وبالخلوة يثبت للمرأة كامل الصداق ، ولو لم يدخل بها زوجها فعلا .