الحمد لله.
فمثل هذه المقاطع تكون
مقبولة إذا كانت في حدود القدر المعقول ، فإن زادت عن الحد كانت مذمومة ، وعمر
الإنسان وحياته أثمن من أن يضيع في مثل هذه المباحات .
قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا
كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ ) رواه البخاري (6412) .
قال القاري رحمه الله :
" وَالْمَعْنَى: لَا يَعْرِفُ قَدْرَ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ كَثِيرٌ مِنَ
النَّاسِ ؛ حَيْثُ لَا يَكْسِبُونَ فِيهِمَا مِنَ الْأَعْمَالِ كِفَايَةَ مَا
يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي مَعَادِهِمْ، فَيَنْدَمُونَ عَلَى تَضْيِيعِ
أَعْمَارِهِمْ عِنْدَ زَوَالِهَا، وَلَا يَنْفَعُهُمُ النَّدَمُ " انتهى من "مرقاة
المفاتيح" (8/ 3225) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" كثير من أوقاتنا تضيع بلا فائدة ، ونحن في صحة وعافية وفراغ ، ومع ذلك تضيع علينا
كثيراً، ولكننا لا نعرف هذا الغبن في الدنيا، إنما يعرف الإنسان الغبن إذا حضره
أجله، وإذا كان يوم القيامة ، والدليل على ذلك قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ
أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا
تَرَكْتُ ) المؤمنون/ 100 ، وقال عز وجل في سورة المنافقون: ( مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ
قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِين َ) المنافقون/ 10 .
الواقع أن هذه الأوقات الكثيرة تذهب علينا سدىً ، لا ننتفع منها، ولا ننفع أحداً من
عباد الله ، ولا نندم على هذا ، إلا إذا حضر الأجل ؛ يتمنى الإنسان أن يُعطى فرصة ،
ولو دقيقة واحدة ، لأجل أن يستعتب ، ولكن لا يحصل ذلك.
ثم إن الإنسان قد لا تفوته هاتان النعمتان: الصحة والفراغ بالموت ، بل قد تفوته قبل
أن يموت، قد يمرض ويعجز عن القيام بما أوجب الله عليه ، وقد يمرض ويكون ضيق الصدر،
لا ينشرح صدره ، ويتعب، وقد ينشغل بطلب النفقة له ولعياله ، حتى تفوته كثير من
الطاعات .
ولهذا ينبغي للإنسان العاقل أن ينتهز فرصة الصحة والفراغ بطاعة الله عز وجل بقدر ما
يستطيع " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (2/ 66) .
والله أعلم .