الحمد لله.
وبناء على هذا ؛ فرياضة
الجمباز من الأفعال التي تدخل في إطار العادات التي يمارسها الناس ، لما يرون فيها
من الفوائد الجسدية ، والأصل في مثل هذا النوع من الأفعال الإباحة إلا إذا اقترنت
بأمر دلّ الشرع على تحريمه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان : عبادات يصلح بها دينهم ، وعادات
يحتاجون إليها في دنياهم ، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها
الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع . وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في
دنياهم مما يحتاجون إليه ، والأصل فيه عدم الحظر ، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله
سبحانه وتعالى ...
والعادات الأصل فيها العفو ، فلا يحظر منها إلا ما حرمه ، وإلا دخلنا في معنى قوله
تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم
مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ
تَفْتَرُونَ ) .
ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله وحرموا ما لم
يحرمه ... وهذه قاعدة عظيمة نافعة " انتهى من " مجموع الفتاوى " (29 / 16 – 18) .
لكن واقع هذه الرياضة غالبا
ما يقترن بأمور منهي عنها شرعا :
أولا :
العادة المتبعة في هذه الرياضة أنها تمارس بألبسة غير ساترة للعورة لضيقها الشديد ،
ورقتها، ولقصرها بحيث يظهر الفخذ ، فالمتدرب في مثل هذه الحالة يرتكب محرمّين اثنين
:
المحرّم الأول : كشف عورته ، والشرع نهى عن هذا .
عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : "ىقُلْتُ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ : عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟ قَالَ : (
احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ) ، قَالَ
: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ؟ ،
قَالَ : ( إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا ).
قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا ؟ ، قَالَ: (
اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ ) رواه أبو داود (4017) ،
وحسّنه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .
وعن جَرْهَدٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ
وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخِذِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّهَا مِنَ العَوْرَةِ ) " رواه الترمذي (2798)
وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .
والمحرّم الثاني : رؤية المتدرب لعورات المتدربين الآخرين ، والله تعالى قد أمر بغض
البصر .
قال الله تعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
يَصْنَعُونَ ) النور /30.
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ
إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) رواه
مسلم رقم (338) .
وتكشف العورات : هو جزء من
بنية هذه اللعبة ، تشكل منذ تاريخها القديم ؛ فكلمة "جمباز" : مشتقة من الكلمة
اليونانية ( gumnas) ، وتسمى أيضا (الجمناستيك/gymnastics ) ، وتعني بالعربية : (
الفن العاري ) ؛ وذلك يعود إلى أن اليونانيين القدماء كانوا يمارسون هذه اللعبة ،
وهم عراة !!
ينظر : "الألعاب الرياضية.." على حسين يونس (185) .
ثانيا :
هذه الرياضة قد يصحبها بعض الأمور المنهي عنها ، كما هو الحال مثلا في الجمباز
الإيقاعي الذي هو أقرب للرقص وتصاحبه موسيقى وهي محرمة .
ثالثا :
قد يبالغ بعض المتدربين في القيام بحركات خطرة يمكن أن تلحق بصاحبها ضررا وقد تهلكه
؛ والشرع نهى عن إلقاء النفس في المهالك .
قال الله تعالى : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) البقرة
/195 .
وقال الله تعالى : ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيمًا ) النساء /29 .