الحمد لله.
الحديث المذكور في السؤال رواه أبو داوود (4104) عن الْوَلِيدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خَالِد بْنِ دُرَيْكٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلا هَذَا وَهَذَا ) - وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ –
قَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا مُرْسَلٌ ؛ خَالِدُ بْنُ دُرَيْكٍ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
وهذا الحديث ضعيف لا يصح الاستدلال به ، وسبب ضعفه ما يلي :
1- انقطاع سنده ، كما صرَّح بذلك الإمام أبو داوود رحمه الله نفسه بقوله : " هَذَا مُرْسَلٌ ؛ خَالِدُ بْنُ دُرَيْكٍ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ " .
2- في سنده سعيد بن بشير الأزدي ويقال البصري أبو عبد الرحمن ، وثقه بعض علماء الحديث وضعفه أحمد وابن معين وابن المديني والنسائي والحاكم وأبو داوود ،
وقال عنه محمد بن عبدالله بن نمير : منكر الحديث ، وليس بشيء وليس بقوي الحديث ، يروي عن قتادة المنكرات .
وقال عنه ابن حبان : كان رديء الحفظ فاحش الغلط ، يروي عن قتادة ما لا يُتابع عليه .
وقال الحافظ ابن حجر عنه : " ضعيف " .
3- فيه قتادة وهو مدلس وقد عنعنه ، كما أن فيه الوليد بن مسلم قال عنه الحافظ : " ثقةٌ لكنه كثير التدليس والتسوية " . وقد عنعنه .
فهذه هي علل الحديث التي حُكم على الحديث بالضعف بسببها . انظر فتاوى اللجنة الدائمة ( مجلة البحوث 21/68) .
وعلى فرض صحة الحديث أو تقويته بشواهده فقد أجاب عنه العلماء بأنه كان قبل الحجاب ، قال ابن قدامة : " وأما حديث أسماء فيحمل على أنه كان قبل نزول آية الحجاب."
وقال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله - : " على تقدير الصحة يُحمل على ما قبل الحجاب " . انظر كتاب عودة الحجاب (3/336) .
ولو تأملنا متن الحديث لوجدناه في غاية البعد لأن أسماء رضي الله عنها فيها من الورع والحياء ما يمنعها أن تلبس هذه الملابس الشفافة وتظهر بها أمام الرسول صلى الله عليه وسلم .
والصواب في هذه المسألة هو وجوب تغطية المرأة جميع بدنها عن الأجانب يراجع السؤال رقم (21134) .
وأما كون التحجب سيؤذي المرأة في مجتمعها الذي تعيش فيه ، فعليها أن تصبر وتحتسب ما تلاقيه في سبيل تمسكها بدينها وطاعة ربها ، ولنا قدوة حسنة في سلفنا الصالح رضي الله عنهم ، فإنهم أوذوا في سبيل الله أشد الإيذاء ، ولم يصرفهم ذلك عن دينهم ، بل كان يمر بهم الإيذاء والتعذيب ولا يزيدهم إلا تمسكاً بدينهم ، ولعل هذه الأيام التي نعيشها هي أيام الصبر التي أخبر عنها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله : ( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ ) رواه الترمذي (2260) . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (957) . والجمر هو النار المتقدة .
قَالَ الْقَارِي : الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ كَمَا لا يُمْكِنُ الْقَبْضُ عَلَى الْجَمْرَةِ إِلا بِصَبْرٍ شَدِيدٍ وَتَحَمُّلِ غَلَبَةِ الْمَشَقَّةِ كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لا يُتَصَوَّرُ حِفْظُ دِينِهِ وَنُورِ إِيمَانِهِ إِلا بِصَبْرٍ عَظِيمٍ اهـ من تحفة الأحوذي .
وقال المناوي في "فيض القدير" :
أي الصابر على أحكام الكتاب والسنة يقاسى بما يناله من الشدة والمشقة من أهل البدع والضلال مثل ما يقاسيه من يأخذ النار بيده ويقبض عليها بل ربما كان أشد وهذا من معجزاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه إخبار عن غيب وقد وقع اهـ .
نسأل الله تعالى أن يثبتا على دينه حتى نلقاه عليه .
والله تعالى أعلم .