الحمد لله.
زوج الأم ليس ولياً شرعيا للمرأة ، وإنما يزوج المرأة وليها الشرعي .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/174) : " زوج الأم ليس ولياً لربيبته في النكاح ، وكذلك الخال ، وإنما أولياء المرأة في النكاح عصبتها ، الأقرب فالأقرب ، فأولهم الأب ، ثم الجد ، ثم الابن ، ثم الأخ الشقيق ، ثم لأب ... إلخ ، وبالله التوفيق" انتهى .
وإذا زوَّج المرأةَ غيرُ وليها ، فلا يخلو الأمر من حالين :
1- أن يكون ذلك بتوكيل من الولي الشرعي .
وفي هذه الحال يكون العقد صحيحاً ولا إشكال فيه ؛ لأن الوكيل يقوم مقام الولي في هذا .
قال ابن مفلح : " إنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ أَقْوَالَ الْوَكِيلِ وَأَفْعَالَهُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا".
انتهى من "الفروع" (11/64) .
وقال البهوتي: " ووكيل كلِّ ولي يقوم مقامه ، غائباً أو حاضراً ".
انتهى من "الروض المربع" (ص: 516) .
وسبق بيان هذا في جواب السؤال : (105152) .
2- أن يتم ذلك دون وجود وكالة من " الولي الشرعي " ، وهو ما يسمى عند الفقهاء " نكاح الفضولي ".
وقد اختلف أهل العلم في حكم عقد النكاح الذي يجريه الرجل الأجنبي دون وكالة من الولي الشرعي.
وقد لخص الإمام النووي الخلاف في المسألة بعد ذكره حكم بيع الفضولي ، فقال : " مَذْهَبُنَا الْمَشْهُور بُطْلَانُهُ ولا تقف عَلَى الْإِجَازَةِ ، وَكَذَا الْوَقْفُ وَالنِّكَاحُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَقِفُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالنِّكَاحُ عَلَى الْإِجَازَةِ ، فَإِنْ أَجَازَهُ مَنْ عُقِدَ لَهُ : صَحَّ ، وَإِلَّا بَطَلَ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إيجَابُ النِّكَاحِ وَقَبُولُهُ يَقِفَانِ عَلَى الْإِجَازَةِ ، وَيَقِفُ الْبَيْعُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَلَا يَقِفُ الشراء " انتهى من "المجموع شرح المهذب" (9/ 261) ، وينظر: "الإنصاف " للمرداوي (8/81) .
وقال ابن عبد البر : " وَأَمَّا الْمَرْأَةُ تَجْعَلُ عَقْدَ نِكَاحِهَا إِلَى رَجُلٍ لَيْسَ بِوَلِيٍّ لَهَا ، فَيَعْقِدُ نِكَاحَهَا ، فَقَدِ اخْتَلَفَ مَالِكٌ وأصحابه في ذلك .
ففي المدونة ، قال ابن الْقَاسِمِ : وَقَفَ فِيهَا مَالِكٌ ، وَلَمْ يُجِبْنِي عَنْهَا .
وقال ابن الْقَاسِمِ : إِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ : جَازَ ، وَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ : فُسِخَ ؛ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ، إِذَا كَانَ بِالْقُرْبِ ، فَإِنْ تَطَاوَلَ الْأَمَدُ وَوَلَدَتِ الْأَوْلَادَ : جاز ... " انتهى من " الاستذكار " (5/ 399).
وقال الشيخ ابن عثيمين : " تصرف الفضولي هو أن يتصرف الإنسان في حق الغير بغير إذنه ، فإذا أذن له نفذ التصرف ؛ ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أمر الجارية في هذا النكاح – أي: التي أُكرهت فيه على الزواج – إليها ؛ فيفهم من هذا : أنها إن أجازته نفذ ، وإن لم تُجِزْه انفسخ ، فإذا كان هذا في النكاح – مع خطورته – ففي غيره من العقود أولى".
انتهى من "فتح ذي الجلال " (11/137) .
فظهر بهذا أن تصحيح عقد الفضولي إن أجازه الولي الشرعي هو مذهب المالكية والحنفية ورواية عن الإمام أحمد ، كما سبق في كلام النووي .
وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (4/ 134) عَنْ هُزَيْلٍ قَالَ : " رُفِعَتْ إلَى عَلِيٍّ امْرَأَةٌ زَوَّجَهَا خَالُهَا وأمها ، قَالَ : فَأَجَازَ عَلِيٌّ النِّكَاحَ .
قَالَ : وَقَالَ سُفْيَانُ : لاَ يَجُوزُ لأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ : هُوَ جَائِزٌ لأَنَّ عَلِيًّا حِينَ أَجَازَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلِيِّ ".
وعليه : فإذا كان أخو المرأة وكل زوج أمها بإجراء العقد فهو صحيح ، ولا إشكال فيه . وإن لم يوكله : فهو من باب نكاح الفضولي ، وفيه الخلاف السابق بين العلماء . وحيث إنه قد حصل – في الصورة المذكورة – أكثر من مجرد نكاح الفضولي ، كما يظهر من علم وليها وموافقته وإقراره ، مع ما هو موجود في عرف كثير من المجتمعات من تولي كبير العائلة عقد النكاح ، ويكون ذلك برضا الولي وتفويضه العرفي : فإن العقد صحيح في هذه الصورة . والله أعلم .