الحمد لله.
من قصد السفر إلى إحدى المدن ، ثم بدا له أثناء الطريق الرجوع إلى بلده ، فله حالان
:
الأولى :
أن تكون المسافة من المكان الذي نوى فيه الرجوع إلى بلده تساوي مسافة القصر فأكثر ،
ففي هذه الحال يترخص برخص السفر في طريق رجوعه حتى يدخل مدينته .
الثانية :
أن تكون المسافة من المكان الذي نوى فيه الرجوع إلى بلده لا تساوي مسافة القصر ،
ففي هذه الحال لا يترخص برخص السفر في طريق رجوعه ؛ لأنه في حال رجوعه يعدُّ قد
أنشأ سفراً جديداً ، فلا يقصر إلا إن كانت المسافة تساوي مسافة القصر ، وهي (80) كم
.
وهذا هو ما عليه مذاهب
الأئمة الأربعة.
قال برهان الدين البخاري الحنفي : " المسافر إذا خرج من مِصْره مسافراً ، ثم بدا له
أن يعود إلى مصره لحاجة ، وذلك قبل أن يسير مسيرة ثلاثة أيام : صلى صلاة المقيمين
في مكانه ذلك ، وفي انصرافه إلى المِصر؛ لأنه فسخ عزيمة السفر ، بعزم الرجوع إلى
وطنه ، قبل استحكام السفر وتأكده ، فانفسخ من ساعته ، وبينه وبين المقصد أقل من
ثلاثة أيام ، فيصلي صلاة المقيمين في انصرافه هذا.
ولو كان قد سار مسيرة ثلاثة أيام ، ثم بدا له أن يعود إلى مصره : صلى صلاة
المسافرين ؛ لأن حكم السفر قد تأتى وتأكد باستكمال مدته ، فيبقى حكمه إلى أن ينعدم
بالإقامة" انتهى من "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (2/35) .
وفي "التاج والإكليل لمختصر
خليل" (2/ 498) : "مَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ،
فَسَارَ مَا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فِي
حَاجَةٍ : فَلْيُتِمَّ فِي رُجُوعِهِ " انتهى .
وقال القرافي : " إِذَا سَافَرَ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ ، ثُمَّ رَجَعَ : أَتَمَّ
إِذَا رَجَعَ ؛ لِأَنَّهُ سَفَرٌ ثَانٍ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ" انتهى من
"الذخيرة" (2/364).
[ ثلاثة فراسخ = 15 كم تقريباً ]
وقال الإمام الشافعي : "
وَإِذَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ : قَصَرَ ، فَإِنْ خَافَ
فِي طَرِيقِهِ وَهُوَ بِعُسْفَانَ ، فَأَرَادَ الْمُقَامَ بِهِ ، أَوْ الْخُرُوجَ
إلَى بَلَدٍ غَيْرِ الْمَدِينَةِ لِيُقِيمَ ، أَوْ يَرْتَادَ الْخَيْرَ بِهِ :
جَعَلْته ، إذَا تَرَكَ النِّيَّةَ الْأُولَى مِنْ سَفَرِهِ إلَى الْمَدِينَةِ :
مُبْتَدِئًا السَّفَرَ مِنْ عُسْفَانَ .
فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ الَّذِي يُرِيدُهُ مِنْ عُسْفَانَ ، عَلَى مَا لَا تُقْصَرُ
إلَيْهِ الصَّلَاةُ : لَمْ يَقْصُرْ . وَإِنْ كَانَ عَلَى مَا تُقْصَرُ إلَيْهِ
الصَّلَاةُ: قَصَرَ .
وَكَذَلِكَ ، إذَا رَجَعَ مِنْهُ يُرِيدُ مَكَّةَ ، أَوْ بَلَدًا سِوَاهُ :
جَعَلْته مُبْتَدِئًا سَفَرًا مِنْهُ ؛ فَإِنْ كَانَتْ حَيْثُ يُرِيدُ مَا تُقْصَرُ
إلَيْهِ الصَّلَاةُ : قَصَرَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ
: لَمْ يَقْصُرْ" انتهى من "الأم" (1/216).
وقال النووي : " وَلَوْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ ، ثُمَّ نَوَى فِي طَرِيقِهِ
أَنْ يَرْجِعَ : انْقَطَعَ سفره ، ولا يجوز له القصر مادام فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ
، فَإِذَا فَارَقَهُ فَقَدْ أَنْشَأَ سَفَرًا جَدِيدًا ، فَإِنَّمَا يَقْصُرُ إذَا
تَوَجَّهَ مِنْهُ إلَى مَرْحَلَتَيْنِ ، سَوَاءٌ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ أَوْ إلَى
مَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي
الْأُمِّ ، وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ ". المجموع شرح المهذب (4/ 333) .
[ المرحلة = 40 كم تقريباً ].
وقال ابن قدامة : " فَلَوْ
خَرَجَ يَقْصِدُ سَفَرًا بَعِيدًا ، فَقَصَرَ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ
فَرَجَعَ ، كَانَ مَا صَلَّاهُ مَاضِيًا صَحِيحًا ، وَلَا يَقْصُرُ فِي رُجُوعِهِ ،
إلَّا أَنْ تَكُونَ مَسَافَةُ الرُّجُوعِ مُبِيحَةً بِنَفْسِهَا ،
نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا" انتهى من "المغني" (3/110).