الحمد لله.
ولذلك استثنى الفقهاء
المظلوم من تحريم الغيبة، وقالوا برفع الحرج عنه في حديثه عن ظالمه بما ظلمه، أو
دعائه عليه، أو تحذير الناس منه إن استحق الأمر، أو الانتقام ولو بالكلمة ، فذلك
أقل ما يَرُدُّ به مظلمته. ينظر جواب السؤال رقم : (20711).
يقول ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ :
"(لي الواجد [ هو المماطل في أداء الحق] يحل عرضه وعقوبته): هذا عندي نحو معنى قول
الله عز وجل: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم). وهذه الآية نزلت في
رجل تضيف قوما فلم يضيفوه، فأبيح له أن يقول فيهم إنهم لئام لا خير فيهم، ولولا
منعهم له من حق الضيافة ما جاز له أن يقول فيهم ما فيهم؛ لأنها غيبة محرمة. قال صلى
الله عليه وسلم: (إذا قلت في أخيك ما فيه فقد اغتبته ، وإذا قلت فيه ما ليس فيه
فذلك البهتان)" .
انتهى من " التمهيد" (18/ 287) .
وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي ـ رحمه الله ـ :
" اختلف الناس في تأويلها؛ فقال ابن عباس: إنما نزلت في الرجل يظلم الرجل، فيجوز
للمظلوم أن يذكره بما ظلمه فيه، لا يزيد عليه.
وقال مجاهد وآخرون: إنما نزلت في الضيافة؛ إذا نزل رجل على رجل ضيفا، فلم يقم به،
جاز له إذا خرج عنه أن يذكر ذلك.
وقال رجل لطاوس: إني رأيت من قوم شيئا في سفر، أفأذكره؟ قال: لا.
قال القاضي : قول ابن عباس هو الصحيح ، وقد وردت في ذلك أخبار صحيحة ؛ قال النبي
صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم). وقال: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته)" .
انتهى من " أحكام القرآن" (1/ 644) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :
"وأما الشخص المعيَّن : فيذكر ما فيه من الشر في مواضع.
منها: المظلوم ؛ له أن يذكر ظالمه بما فيه:
إما على وجه دفع ظلمه، واستيفاء حقه، كما (قالت هند: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل
شحيح، وأنه ليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي. فقال لها النبي صلى الله عليه
وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) كما قال صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد يحل
عرضه وعقوبته) وقال وكيع: عرضه شكايته، وعقوبته حبسه. وقال تعالى: (لا يحب الله
الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) وقد روي: أنها نزلت في رجل نزل بقوم فلم يقروه [
أي : لم يضيفوه] .
فإذا كان هذا فيمن ظُلم بترك قراه ، الذي تنازع الناس في وجوبه، وإن كان الصحيح أنه
واجب، فكيف بمن ظُلم بمنع حقه ، الذي اتفق المسلمون على استحقاقه إياه.
أو يذكر ظالمه على وجه القصاص من غير عدوان، ولا دخول في كذب، ولا ظلم الغير.
وترك ذلك : أفضل" انتهى من "مجموع الفتاوى" (28/229) .
ويقول الطاهر بن عاشور ـ رحمه الله ـ :
"واستثنى من ظُلم، فرخص له الجهر بالسوء من القول....
ورخص الله للمظلوم الجهر بالقول السيئ ، ليشفي غضبه، حتى لا يثوب إلى السيف ، أو
إلى البطش باليد .
ففي هذا الإذن توسعة على من لا يمسك نفسه عند لحاق الظلم به .
والمقصود من هذا : هو الاحتراس في حكم ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ) ؛ وقد
دلت الآية على الإذن للمظلوم في جميع أنواع الجهر بالسوء من القول، وهو مخصوص بما
لا يتجاوز حد التظلم فيما بينه وبين ظالمه، أو شكاية ظلمه: أن يقول له: ظلمتني، أو
أنت ظالم، وأن يقول للناس: إنه ظالم .
ومن ذلك الدعاء على الظالم جهرا ، لأن الدعاء عليه : إعلان بظلمه ، وإحالته على عدل
الله تعالى . ونظير هذا المعنى كثير في القرآن .
وذلك مخصوص بما لا يؤدي إلى القذف، فإن دلائل النهي عن القذف ، وصيانة النفس من أن
تتعرض لحد القذف، أو تعزيز الغيبة، قائمة في الشريعة" انتهى من "التحرير والتنوير"
(6/ 6) .
ولكن ، مع ذلك : فالأولى
والأفضل أن تترك والدتك تسمية من تتحدث عنه، وتعمي اسمه كي يبقى مجهولا، فتتحقق
الغاية ، التي هي العظة والعبرة والتجربة، وينتفي المحذور الذي هو اغتياب المعيَّن،
أو ذكره بسوء .
وقد سبق بيان أنه مع الجهالة ، وعدم التعيين : لا يوجد غيبة، وذلك في الفتوى رقم: (105539)،
(134524) .
وللمزيد انظر الفتوى رقم : (7660) .
والله أعلم.