الحمد لله.
فإن قيل : فقد نهى الله
تعالى عن موادة من حاد الله ورسوله ؟
قيل : البر والصلة والإحسان بالمال ، لا سيما عند الحاجة : لا يستلزم الموادة
والتحاب .
قال ابن حجر في " فتح الباري " (5 / 233) : " ثُمَّ الْبِرُّ وَالصِّلَةُ
وَالْإِحْسَانُ : لَا يَسْتَلْزِمُ التَّحَابُبَ وَالتَّوَادُدَ الْمَنْهِيَّ
عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يوادون من حاد الله وَرَسُوله ) الْآيَةَ" انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في " أحكام أهل الذمة " (2 / 792) : " والذي يقوم
عليه الدليل : وجوب الإنفاق ، وإن اختلف الدينان ، لقوله تعالى : ( ووصينا الإنسان
بوالديه حسنا ) [العنكبوت: 8] ، ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا
تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) [لقمان: 15] ، وليس من الإحسان ولا من المعروف
، ترك أبيه وأمه في غاية الضرورة والفاقة، وهو في غاية الغنى !!
وقد ذم الله - تبارك وتعالى - قاطعي الرحم ، وعظم قطيعتها، وأوجب حقها وإن كانت
كافرة، قال تعالى: ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) [النساء: 1] ، وقال
تعالى: ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل )
[الرعد: 25] ، وفي الحديث: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) ، ( والرحم معلقة بساق العرش
تقول: يا رب، صل من وصلني، واقطع من قطعني) .
وليس من صلة الرحم : ترك القرابة تهلك جوعا، وعطشا، وعريا، وقريبه من أعظم الناس
مالا ، وصلة الرحم واجبة ، وإن كانت لكافر، فله دينه ، وللواصل دينه .
وقياس النفقة على الميراث : قياس فاسد ؛ فإن الميراث مبناه على النصرة والموالاة ،
بخلاف النفقة ؛ فإنها صلة ومواساة من حقوق القرابة ، وقد جعل الله للقرابة حقا -
وإن كانت كافرة - فالكفر لا يسقط حقوقها في الدنيا، قال الله تعالى: ( واعبدوا الله
ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي
القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ) [النساء: 36] .
وكل من ذكر في هذه الآية فحقه واجب ، وإن كان كافرا، فما بال ذي القربى وحده يخرج
من جملة من وصى الله بالإحسان إليه ؟
ورأس الإحسان الذي لا يجوز إخراجه من الآية هو الإنفاق عليه عند ضرورته وحاجته ،
وإلا ؛ فكيف يوصى بالإحسان إليه في الحالة التي لا يحتاج إلى الإحسان ؛ ولا يجب له
الإحسان أحوج ما كان إليه؟!
والله - سبحانه وتعالى - حرم قطيعة الرحم ، وإن كانت كافرة ؛ وتركُ رحمه يموت جوعا،
وعطشا، وهو من أغنى الناس ، وأقدرهم على دفع ضرورته : أعظم قطيعة " انتهى.
والنصيحة لك أن تحتسب في هذا
الإنفاق نية تأليف قلبها على الاستقامة على أمر الله جل وعلا ، وأن تذكرها دائما
بالله تعالى وثوابه العظيم لمن أطاعه واتقاه ، وعقابه الأليم لمن خالف أمره وتعدى
حدوده .
والله أعلم.