هل يتعين رؤية وجه الميت بعد غسله وتكفينه ؟ ففي الهند يفعلون ذلك ، ويوجبون على أفراد أسرة الميت رؤية وجه فقيدهم بعد الغسل والتكفين مره وقبل الدفن مرة أخرى ، وإذا رفض أحدهم فعل ذلك تحدثوا عنه بسوء ، فهل لهذا أصل في الشرع أم هي العادة لا غير؟
الحمد لله.
لا يحق لأحد أن يحكم بالوجوب الشرعي على شيء من الأمور إلا ببرهان من كتاب الله أو سنة رسوله ، قال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) سورة الشورى / 21 .
وقد ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته قد كشفوا عن وجوه بعض الموتى من المسلمين ، ولم يكن ذلك على وجه الإيجاب ، بل ولا الاستحباب ؛ وإنما غاية ذلك أنه أمر جائز ، لم يطرد مع كل أحد توفي ، ولا مع كل قريب مع قريبه .
بل إن من العلماء من ضيّق ذلك ، ومنع من كشف وجه الميت إلا للغاسل ومن يليه .
قال ابن حجر معلقا على ترجمة البخاري في صحيحه " باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه " ، قال :" الموت لما كان سبب تغيير محاسن الحي التي عهد عليها - ولذلك أمر بتغميضه وتغطيته - كان ذلك مظنة للمنع من كشفه حتى قال النخعي : ينبغي أن لا يطلع عليه إلا الغاسل له ومن يليه ، فترجم البخاري على جواز ذلك " .
انتهى من " فتح الباري " (4/266) .
ولذلك نص الفقهاء على جوازه دفعا لقول المانعين ، ولم يجعلوه من قبيل المندوبات أو المأمورات .
قال ابن قدامة : " ( وإن أحب أهله أن يروه لم يمنعوا ) وذلك لما روي عن جابر قال : لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني ، وقالت عائشة : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت ، حتى رأيت الدموع تسيل) ، وقالت : (أقبل أبو بكر فتيمم [ أي : قصد] النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة فكشف عن وجهه ، ثم أكب عليه فقبله ، ثم بكى ، فقال : بأبي أنت يا نبي الله ، لا يجمع الله عليك موتتين) ، وهذه أحاديث صحاح " انتهى من "المغني" (2/350) .
وهذه الأحاديث تدل على استحباب ستر وجه الميت ، وتدل كذلك على جواز الدخول عليه وكشف وجهه وتقبيله ، سواء كان ذلك بعد التكفين أو قبله ، فحديثا أبي بكر وجابر كانا بعد الوفاة قبل التكفين ، وحديث عثمان بن مظعون كان بعد التكفين ، كما جاء مصرحا به في البخاري (1243) : (فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قال ابن حجر رحمه الله تعالى : " الدخول الثابت في الأحاديث الثلاثة : كان في حالة الإدراج أو في حالة تقوم مقامها . قال ابن رشيد : المعنى الذي في الحديثين من كشف الميت بعد تسجيته ، مساو لحاله بعد تكفينه " انتهى من " فتح الباري " (4/266) .