الحدود كفارات لأهلها وقتل المرتد ليس حدا
هل يعتبر حد الردة مكفرا لها ؟
ملخص الجواب:
والحاصل :
أن قتل المرتد ليس حدا، ولا هو كفارة لصاحبه ، بل ينتظر صاحبه في الآخرة ما هو أشد
وأعظم ، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ
كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/217 .
والله أعلم.
الجواب
الحمد لله.
أولا:
ثبت ما يدل على أن الحدود كفارة لأهلها؛ وذلك فيما روى البخاري (18) ، ومسلم (1709)
عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ
: ( بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا
وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ
تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ ،
فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ
شَيْئًا ، فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ . وَمَنْ أَصَابَ مِنْ
ذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَهُوَ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ شَاءَ عَفَا
عَنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ) فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك " .
وقد بوب له النووي في شرح مسلم: "باب الحدود كفارات لأهلها" ، وبين أن الشرك مستثنى
من الحديث ، فقال: " واعلم أن هذا الحديث عام مخصوص . وموضع التخصيص قوله ، صلى
الله عليه وسلم: (ومن أصاب شيئا من ذلك) إلى آخره المراد به ما سوى الشرك ، وإلا
فالشرك لا يغفر له ، و[لا] تكون عقوبته كفارة له" انتهى من " شرح مسلم " (11/223).
ثانيا:
يجب قتل المرتد ؛ لما روى البخاري (6922) عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : " أُتِيَ عَلِيٌّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِزَنَادِقَةٍ ، فَأَحْرَقَهُمْ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ
عَبَّاسٍ ، فَقَالَ : لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ ، لِنَهْيِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ)
، وَلَقَتَلْتُهُمْ ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) " .
ثالثا:
قتل المرتد لا يعتبر حدًّا، وإنما هو عقوبة دنيوية يعقبها العقاب الأخروي ، ومن
الخطأ إدخاله في الحدود.
قال في " كشاف القناع " (6/175) : " ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه ، حرا كان
المرتد أو عبدا لأنه قتل لحق الله تعالى ، فكان إلى الإمام أو نائبه ، كقتل الحر .
ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم : ( أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) ؛ لأن
قتل المرتد لكفره ، لا حدا " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " الحد إذا بلغ الإمام لا يستتاب صاحبه ، بل
يقتل بكل حال . أما الكفر، فإنه يستتاب صاحبه .
وهذا هو الفرق بين الحد ، وبين عقوبة الكفر .
وبهذا نعرف خطأ من أدخل حكم المرتد في الحدود ، وذكروا من الحدود قتل الردة .
فقتل المرتد ليس من الحدود ؛ لأنه يستتاب ، فإذا تاب ، ارتفع عنه القتل .
وأما الحدود ، فلا ترتفع بالتوبة ؛ إلا أن يتوب قبل القدرة عليه .
ثم إن الحدود كفارة لصاحبها ، وليس بكافر .
والقتل بالردة ليس كفارة ، وصاحبها كافر، لا يصلى عليه، ولا يغسل، ولا يدفن في
مقابر المسلمين" انتهى من " شرح كتاب التوحيد ، ضمن مجموع ورسائل ابن عثيمين "
(9/511).