الحمد لله.
وحد الإسبال الجائز في حق
المرأة ، ما كان ذراعاً فأقل ؛ لما روى الترمذي (1731) عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ
يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ) ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : "
فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟ " ، قَالَ : ( يُرْخِينَ شِبْرًا
) ، فَقَالَتْ : " إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ " ، قَالَ : ( فَيُرْخِينَهُ
ذِرَاعًا ، لاَ يَزِدْنَ عَلَيْهِ ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح
سنن الترمذي " .
وروى النسائي (5339) ، وابن
ماجه (3580) عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَمْ تَجُرُّ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَيْلِهَا ؟ قَالَ : ( شِبْرًا
) ، قَالَتْ : إِذًا يَنْكَشِفَ عَنْهَا ، قَالَ : ( ذِرَاعٌ ، لَا تَزِيدُ
عَلَيْهَا ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن النسائي " .
قال ابن حجر رحمه الله :
" وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلرِّجَالِ حَالَيْنِ : حَالُ اسْتِحْبَابٍ ، وَهُوَ أَنْ
يَقْتَصِرَ بِالْإِزَارِ عَلَى نِصْفِ السَّاقِ ، وَحَالُ جَوَازٍ ، وَهُوَ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ .
وَكَذَلِكَ لِلنِّسَاءِ حَالَانِ : حَالُ اسْتِحْبَابٍ ، وَهُوَ مَا يَزِيدُ عَلَى
مَا هُوَ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ بِقَدْرِ الشِّبْرِ ، وَحَالُ جَوَازٍ بِقَدْرِ
ذِرَاعٍ " انتهى من " فتح الباري " لابن حجر (10/259) .
ثانيا :
وأما إذا كان الإسبال لأجل الخيلاء ، فتحريم ذلك شامل للرجال والنساء جميعا ، لعموم
قوله عليه الصلاة والسلام : ( من جر ثوبه خيلاء .. ) .
جاء في " طرح التثريب في شرح التقريب " (8/173) :
" دَخَلَ فِي قَوْلِهِ : ( مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ ) الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ ؛
وَلِذَلِكَ سَأَلَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا : فَكَيْفَ تَصْنَعُ
النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْكَلَامُ ، وَقَدْ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ فِي
الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
جَوَازِ الْإِسْبَالِ لِلنِّسَاءٍ ؟
قُلْت : الظَّاهِرُ أَنَّ الْخُيَلَاءَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ ،
وَإِنَّمَا سَأَلَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَمَّا تَفْعَلُهُ
النِّسَاءُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ ، فَصَحَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ
اللَّهُ مِنْ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ فَهْمُ أُمِّ
سَلَمَةَ وَتَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهَا عَلَى ذَلِكَ ؛
فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُنَّ لَقَالَ لَهَا لَيْسَ حُكْمُ النِّسَاءِ فِي
ذَلِكَ كَحُكْمِ الرِّجَالِ ، وَالْإِجْمَاعُ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي
وَالنَّوَوِيُّ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْخُيَلَاءِ " انتهى .
وينظر : " فتح الباري " لابن حجر (10/259) .
ثالثا :
دل قوله عليه الصلاة والسلام ، في حديث أم سلمة رضي الله عنها : " لاَ يَزِدْنَ
عَلَيْهِ " على عدم جواز الزيادة على الذراع ، حتى ولو كانت الزيادة بغير قصد
الخيلاء ؛ فأم سلمة رضي الله عنها ، إنما طلبت الزيادة لغرض الستر ، ومع هذا نهى
عليه الصلاة والسلام من الزيادة على الذراع .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " (10/259) :
" قَوْلُهُ ( مَنْ ) : يَتَنَاوَلُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي الْوَعِيدِ
الْمَذْكُورِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ ، وَقَدْ فَهِمَتْ ذَلِكَ أُمُّ
سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ...
وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْفَهْمِ التَّعَقُّبُ عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّ
الْأَحَادِيثَ الْمُطْلَقَةَ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْإِسْبَالِ ، مُقَيَّدَةٌ
بِالْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى الْمُصَرِّحَةِ بِمَنْ فَعَلَهُ خُيَلَاءَ ، قَالَ
النَّوَوِيُّ : ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ فِي تَقْيِيدِهَا بِالْجَرِّ خُيَلَاءُ
يَقْتَضِي أَنَّ التَّحْرِيمَ مُخْتَصٌّ بِالْخُيَلَاءِ .
وَوَجْهُ التَّعَقُّبِ : أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ ، لَمَا كَانَ فِي
اسْتِفْسَارِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ حُكْمِ النِّسَاءِ فِي جَرِّ ذُيُولِهِنَّ
مَعْنًى ، بَلْ فَهِمَتِ الزَّجْرَ عَنِ الْإِسْبَالِ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ كَانَ
عَنْ مَخِيلَةٍ أَمْ لَا ، فَسَأَلَتْ عَنْ حُكْمِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ
لِاحْتِيَاجِهِنَّ إِلَى الْإِسْبَالِ مِنْ أَجْلِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ ؛ لِأَنَّ
جَمِيعَ قَدَمِهَا عَوْرَةٌ ، فَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ حُكْمَهُنَّ فِي ذَلِكَ خَارِجٌ
عَنْ حُكْمِ الرِّجَالِ ، فِي هَذَا الْمَعْنَى فَقَطْ " انتهى .
وقد سبق في جواب السؤال رقم
: (218290) ، وجواب السؤال رقم : (111852)
تحريم الإسبال ولو كان بغير قصد الخيلاء .
قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله:
" وَالْأَوْجَهُ : أَنَّ ابْتِدَاءَ الذِّرَاعِ مِنْ الْحَدِّ الْمُسْتَحَبِّ
لِلرِّجَالِ، وَهُوَ أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ ، لَا مِنْ الْكَعْبَيْنِ ، وَلَا مِنْ
أَوَّلِ مَا يَمَسُّ الْأَرْض" انتهى من "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (1/
279).
وبناء على ما سبق ، فإذا كان
فستان الزفاف طويلاً أكثر من ذراع – كما هي العادة في بعض الدول - ، فهو من الإسبال
المحرم ، فإذا صاحب ذلك الإسبال فخر وخيلاء ، عظم التحريم واشتد ؛ لفعل الإسبال ،
ولما قام بالقلب من الخيلاء .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
" تفضلتم وذكرتم أن إطالة الثوب بالنسبة للرجل محرم ، وأيضا إذا كان بالنسبة للمرأة
إذا كان تفاخرا فهو محرم ، فما رأيكم بفستان الفرح الذي تسحبه العروس وراءها بطول 3
أمتار تقريبا ؟
فأجاب : أما ما يتعلق
بالمرأة ، فالسنة أن تضفي ثوبها شبرا ، ولا تزيد على ذراع ، لأجل الستر ، وعدم
إظهار القدمين .
وأما الزيادة على ذراع فمنكر للعروس أو غيرها ؛ لا يجوز ، وهذا إضاعة للأموال بغير
حق في الملابس ذات الأثمان الغالية " انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (4/ 121) .
وللفائدة في حكم لبس فستان
الزفاف ، ينظر جواب السؤال رقم : (12853)
.
والله أعلم .