الحمد لله.
وقد طاف نبي الله سليمان عليه السلام على تسعين امرأة يبتغي بذلك أن تلد كل امرأة منهم غلاما يجاهد في سبيل الله . رواه البخاري (6639) .
فأي لوم أو عتب على المغيرة فيما فعل من ذلك ؟!
أما كيف يربي أولاده ؟
فقد ربَّى الصحابة رضي الله عنهم أولادهم وطلابهم أحسن تربية ، فخرج منهم العلماء والقراء والمجاهدون في سبيل الله .
حتى كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء والصحابة ، بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في قوله : (خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم) رواه البخاري ( 2652 ) ، ومسلم ( 2533 ) .
والصحابة رضي الله عنهم كانوا أعقل الناس وأتقى الناس لله ، وأعلمهم بشريعته ، وأعلم الناس بمصالحهم ومصالح أولادهم .
ومن كان كذلك فهو جدير بأن يوفقه الله تعالى ويسدده ويصلح له أولاده ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2، 3 وفي الآية التي بعدها: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) الطلاق/4.
وليس حسن تربية الأولاد مرتبطا بقلة عددهم ، كما يظهر لك ذلك جليا إذا قلبت نظرك فيمن حولك ممن رزقهم الله أولادا كثيرين أو قليلين .
على أنه ينبغي التنبه إلى الدور التربوي للمجتمع في ذلك الوقت ، فقد كان المجتمع فاضلا ، (أفضل مجتمع في البشرية على الإطلاق) فكان هذا المجتمع يؤثر بدور عظيم في التربية ، فيتربى الأولاد على محبة الله ورسوله وطاعتهما ، ونصرة هذا الدين ، والجهاد في سبيل الله ، ومحبة العلم الشرعي ، وتعظيم حرمات الله ، وكراهة الكفر والفسوق والعصيان ، مع الكرم والشهامة والنبل والمروءة والأمانة ،وحسن الخلق ، وواقعهم رضي الله عنهم يشهد بذلك .
ثم أحوال الناس في عاداتهم ، وأمور معايشهم : على اليسر في الأمر ، والسداد ، وقِوام العيش؛ لم تكن في شيء من تعقيدات أوضاع الناس الاجتماعية والاقتصادية ، والتربوية ـ تبعا لذلك كله.
ثالثا :
أما ما ذكر من كونه رضي الله عنه كان يطلق نساءه بدون سبب : فغير ثابت عنه .
فقد رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ، وفي إسناده أبو بكر الهذلي ، وقد ضعفه الإمام أحمد والجوزجاني ، وقال عنه النسائي : متروك الحديث ، وقال الدارقطني : منكر الحديث متروك .
انظر : "ميزان الاعتدال" للذهبي (7/334) ، "أحوال الرجال" للجوزجاني (1/22) ، "الضعفاء والمتروكين" للنسائي (1/46) ، "الضعفاء والمتروكين" لابن الجوزي (2/12) .
فإذا لم يثبت ذلك عنه لم يجز أن يقال : إنه أخطأ في هذا ، لأن حسن الظن بالصحابة رضي الله عنهم ، يقتضي أنه لم يكن يطلق إلا لسبب .
والغالب في أسباب الطلاق ، أنها تكون أسبابا خاصة لا يذكرها الزوج ، لاسيما مع مكارم الأخلاق التي كان القوم يتحلون بها ، رضي الله عنهم ، فلا يقوم أحدهم بذكر عيوب امرأته وغيبتها والتشهير بها أمام الناس .
ولذلك لم نطلع على أسباب طلاقه ، كما لم نطلع على أسباب طلاق غيره من الصحابة ، إلا في قضايا يسيرة جدا أو نادرة ، وصلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فذكرت فيها الأسباب ، كقضية الخلع بين ثابت بن قيس وامرأته .
وهبه قد ثبت ذلك عنه ، تأول فيه أمرا يسعه ، أو عذار يسوغ لمثله ؛ فهل من الإنصاف في شيء : أن نعتب على أمر لم نقف على حقيقته ، ولم يبين لنا وجهه ، بإسناد تقوم به الحجة ، وينقطع به العذر ؟!
وهذا الإنصاف ، والعدل ، وحسن الظن ، وترك العجلة : إنما يكون في آحاد الناس ، ممن ثبتت عدالته ، أو تقارب أمره ؛ فكيف بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وذوي الهيئات من الناس ؟!
لا شك أنه في حقهم : آكد ، وألزم .
والله أعلم .