ماذا حدث للسيدة مريم بعد رفع سيدنا عيسى عليه السلام .

21-02-2018

السؤال 248948

يسأل:
ماذا حدث لمريم رضي الله عنها بعد رفع المسيح عليه السلام إلى السماء ؟

ملخص الجواب:

والحاصل : أن ما حدث لمريم بعد رفع عيسى عليه السلام لا نعلم عنه شيئا ، ولا سبيل إلى العلم به ، لأنه لا يعلم ذلك إلا عن طريق الوحي ، ولم يخبرنا الوحي بشي عن ذلك . ولا فائدة ترجى لدين العبد من الانشغال بمثل ذلك ، ولا في الجهل به مضرة في دينه ، وقد نهينا عن التكلف . والله أعلم.

الجواب

الحمد لله.


الذي تحدث عنه القرآن ، وورد في السنة النبوية : هو ما كان بشأن مريم رضي الله عنها ، وشأن ابنها المسيح عيسى عليه السلام ، وكيف أن الله جعلها وابنها آية للعالمين ، ؛ بيانا من الله وبرهانا عظيما على أنه على كل شيء قدير ، يخلق ما يشاء ، وهو العليم القدير .
وأبطل القرآن الكريم قول الذين زعموا ألوهية المسيح عليه السلام .
قال تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) النساء/ 171 .
وقال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) المائدة/ 17.
وقال تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) المائدة/72-77.
وقال عز وجل : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) المؤمنون/ 50
وقال عز وجل: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران/ 59 .
وروى البخاري (3435) ، ومسلم (28) عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ) .
فبينت نصوص الكتاب والسنة أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأنهما بشر من البشر ، وليسا بإلهين ، ولا بهما شيء من وصف الألوهية ، جعلهما الله آية على ربوبيته ووحدانيته وقدرته سبحانه .
وردّت النصوص على النصارى الذين يعبدون المسيح ابن مريم وأمه ، ويغالون فيهما ، ويدعونهما من دون الله .
فهذا هو الذي ينبغي أن ننشغل به ، ونتعلمه ، ونفقهه ، فنزداد يقينا وإيمانا ، ونتعلم كيف نرد على النصارى افتراءاتهم على الله ورسله ، وكيف نصحح عقيدتنا ، ونعلم أن الغلوّ في الصالحين من أعظم أسباب الشرك بالله ، وأن الخلق كلهم مربوبون، ليس لأحد منهم من أمره شيء، ولا يملك أحد منهم لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا . وأن البعد عن الوحي المنزل طريق الضلال .
أما الجانب القصصي البحت ، وماذا كان قبل ميلاد المسيح ؟ وماذا حدث لأمه بعد رفعه إلى السماء؟ وكيف ماتت ؟ ومتى ماتت ؟ وأين دفنت ؟ ونحو تلك الأسئلة : فلا طائل تحتها ، ولا نجد لها في نصوص الوحيين جوابا ، وإنما نجد نقولا عن أهل الكتاب ، الذين لا يوثق بأقوالهم ، وأقوالا لا يعتد بها ، ولا يحتج بها .
قال ابن كثير رحمه الله:
" وَحَكَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ، فِيمَا بَلَغَهُ أَنَّ مَرْيَمَ سَأَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ - بَعْدَ مَا صُلِبَ الْمَصْلُوبُ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَهِيَ تَحْسَبُ أَنَّهُ ابْنُهَا - أَنْ يُنْزِلَ جَسَدَهُ ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ ، وَدُفِنَ هُنَالِكَ ، فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِأُمِّ يَحْيَى: أَلَا تَذْهَبِينَ بِنَا نَزُورُ قَبْرَ الْمَسِيحِ ، فَذَهَبَتَا فَلَمَّا دَنَتَا مِنَ الْقَبْرِ، قَالَتْ مَرْيَمُ لِأُمِّ يَحْيَى: أَلَا تَسْتَتِرِينَ ، فَقَالَتْ: وَمِمَّنْ أَسْتَتِرُ ، فَقَالَتْ: مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ عِنْدَ الْقَبْرِ، فَقَالَتْ أُمُّ يَحْيَى: إِنِّي لَا أَرَى أَحَدًا. فَرَجَتْ مَرْيَمُ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلَ ، وَكَانَتْ قَدْ بَعُدَ عَهْدُهَا بِهِ فَاسْتَوْقَفَتْ أُمَّ يَحْيَى وَذَهَبَتْ نَحْوَ الْقَبْرِ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنَ الْقَبْرِ قَالَ لَهَا جِبْرِيلُ ، وَعَرَفَتْهُ: يَا مَرْيَمُ، أَيْنَ تُرِيدِينَ؟ فَقَالَتْ: أَزُورُ قَبْرَ الْمَسِيحِ وَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَأَحْدِثُ عَهْدًا بِهِ ، فَقَالَ: يَا مَرْيَمُ، إِنَّ هَذَا لَيْسَ الْمَسِيحَ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ رَفَعَ الْمَسِيحَ وَطَهَّرَهُ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَلَكِنْ هَذَا الْفَتَى الَّذِي أُلْقِيَ شَبَهُهُ عَلَيْهِ وَصُلِبَ وَقُتِلَ مَكَانَهُ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَهُ قَدْ فَقَدُوهُ فَلَا يَدْرُونَ مَا فُعِلَ بِهِ ، فَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ كَذَا وَكَذَا، فَأْتِي غَيْضَةَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّكِ تَلْقَيْنَ الْمَسِيحَ.
قَالَ: فَرَجَعَتْ إِلَى أُخْتِهَا، وَصَعِدَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَتْهَا عَنْ جِبْرِيلَ، وَمَا قَالَ لَهَا مِنْ أَمْرِ الْغَيْضَةِ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ ، ذَهَبَتْ فَوَجَدَتْ عِيسَى فِي الْغَيْضَةِ ، فَلَمَّا رَآهَا أَسْرَعَ إِلَيْهَا فَأَكَبَّ عَلَيْهَا، فَقَبَّلَ رَأْسَهَا وَجَعَلَ يَدْعُو لَهَا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ، وَقَالَ: يَا أُمَّهْ، إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَقْتُلُونِي، وَلَكِنَّ اللَّهَ رَفَعَنِي إِلَيْهِ، وَأَذِنَ لِي فِي لِقَائِكَ، وَالْمَوْتُ يَأْتِيكِ قَرِيبًا، فَاصْبِرِي وَاذْكُرِي اللَّهَ .
ثُمَّ صَعِدَ عِيسَى فَلَمْ تَلْقَهُ إِلَّا تِلْكَ الْمَرَّةَ حَتَّى مَاتَتْ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ مَرْيَمَ بَقِيَتْ بَعْدَ عِيسَى خَمْسَ سِنِينَ، وَمَاتَتْ وَلَهَا ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا .
وقدْ رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عِيسَى لَمَّا رَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ جَاءَتْهُ سَحَابَةٌ، فَدَنَتْ مِنْهُ حَتَّى جَلَسَ عَلَيْهَا، وَجَاءَتْهُ مَرْيَمُ فودعته وبكت، ثم رفع وهي تنظر، وَأَلْقَى إِلَيْهَا عِيسَى بُرْدًا لَهُ وَقَالَ: هَذَا عَلَامَةُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَجَعَلَتْ أُمُّهُ تُوَدِّعُهُ بِأُصْبُعِهَا تُشِيرُ بِهَا إِلَيْهِ حَتَّى غَابَ عَنْهَا، وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، لِأَنَّهُ تَوَفَّرَ عَلَيْهَا حُبُّهُ مِنْ جِهَتَيِ الْوَالِدَيْنِ، إِذْ لَا أَبَ لَهُ، وَكَانَتْ لَا تُفَارِقُهُ سَفَرًا وَلَا حَضَرًا " .
انتهى من "البداية والنهاية "(2/ 514) .
وهذا الذي ذكره عن ابن عباس ، رواه ابن عساكر في تاريخه (47/ 476) بنحوه من طريق إسحاق بن بشر أنبأنا جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس به .
وهذا إسناد ليس بشيء ، والضحاك لم يلق ابن عباس ، وجويبر ضعيف جدا ، قال ابن معين: ليس بشئ.
وقال الجوزجاني : لا يشتغل به.
وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك الحديث.
"ميزان الاعتدال" (1/ 427) .
ومقاتل ، هو ابن سليمان ، متهم ، كذبه وكيع والنسائي ، وقال الجوزجاني: كان دجالا جسورا .
"ميزان الاعتدال" (4/ 173) .
وإسحاق بن بشر كذبه علي بن المديني، وقال ابن حبان لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب، وقال الدارقطني كذاب متروك.
"لسان الميزان" (1/ 354) .
وما ذكره عن يحيى بن حبيب رواه ابن عساكر أيضا (70/ 121) من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر قال : قال علي بن عاصم : أخبرني يحيى بن حبيب ... فذكره .
وهذا مع كونه مقطوعا من كلام يحيى بن حبيب ، فهو لا يصح عنه ، وإسحاق بن بشر تقدم الكلام فيه وأنه متروك متهم .
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب