الحمد لله.
والأصل في ذلك ما روى
البخاري (2145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ
يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ ؛ إِلا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ
).
وروى مسلم (2974) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا ، لَيْسَ بِكَلْبِ
صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ : فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ
كُلَّ يَوْمٍ ).
وروى مسلم (2943) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ
أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ) قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ : وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ " .
قال العراقي رحمه الله: " أن يكون كلب ماشية : أي معدا لحفظها .
وجمع الماشية مواش ، والمراد هنا الإبل والبقر ، أو الغنم ، والأكثر استعمالها في
الغنم . وفي رواية أبي الحكم عن ابن عمر (غنم) بدل ماشية . وروى الترمذي عن عطاء بن
أبي رباح أنه رخص في إمساك الكلب ، وإن كان للرجل شاة واحدة" انتهى من " طرح
التثريب "(6/27).
ثانيا:
اختلف العلماء في اقتناء الكلب لغير هذه الثلاثة، كحراسة البيوت وأهلها، والأكثر
على الجواز، وهو الراجح.
قال النووي رحمه الله: " اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة ، كحفظ
الدور والدروب ، والراجح : جوازه قياساً على الثلاثة عملاً بالعلَّة المفهومة من
الحديث وهي : الحاجة " .
انتهى من " شرح مسلم " ( 10 / 236 ).
وقال العراقي رحمه الله: " وقال أصحابنا وغيرهم : يجوز اقتناء الكلب لهذه المنافع
الثلاثة ، وهي الاصطياد به ، وحفظ الماشية والزرع .
واختلفوا في اقتنائه لخصلة رابعة ، وهي اقتناؤه لحفظ الدور والدروب ونحوها :
فقال بعض أصحابنا : لا يجوز ؛ لهذا الحديث وغيره ، فإنه مصرح بالنهي إلا لأحد هذه
الأمور الثلاثة .
وقال أكثرهم وهو الأصح : يجوز ؛ قياسا على الثلاثة ، عملا بالعلة المفهومة من
الحديث ، وهي الحاجة" انتهى من " طرح التثريب " ( 6/28).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" وعلى هذا : فالمنـزل الذي يكون في وسط البلد لا
حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته ، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال
محرماً لا يجوز ، وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان ، فعليهم أنْ
يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه ، وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً ، ليس حوله
أحدٌ : فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه ، وحراسةُ أهلِ البيت
أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث " .
انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " ( 4 / 246 ).
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (26/ 163): " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا
صورة مخرج في ( الصحيحين ) .
السؤال: من كان يربي الكلب للضرورة مثل حراسة الدجاج، فما رأي الدين في ذلك؟
ج: من اقتنى كلبا لصيد أو حراسة : كان ذلك جائزا له، فلا يمنع الملائكة من دخول
البيت.
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
وعليه : فيجوز لهذه المرأة أن تتخذ كلبا لحراسة الدجاج.
ثالثا:
روى البخاري (3322) ، ومسلم (2106) عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ
بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ).
وهذا في الكلب غير المأذون
في اقتنائه .
فأما المأذون في اقتنائه : فلا يمنع دخول الملائكة على الراجح.
ومع هذا ؛ فلو أمكن جعله خارج البيت كان أحوط ، ومن ذلك جعله على السطح ، فإن السطح
خارج المنزل المعد للسكنى .
قال النووي رحمه الله: " قال الخطابى : وإنما لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو
صورة ، مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، فأما ما ليس بحرام ، من كلب الصيد
والزرع والماشية ، والصورة التي تُمتهن في البساط والوسادة وغيرهما : فلا يمتنع
دخول الملائكة بسببه. وأشار القاضي إلى نحو ما قاله الخطابي.
والأظهر : أنه عام في كل كلب ، وكل صورة ، وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق
الأحاديث. ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير ، كان
له فيه عذر ظاهر، فإنه لم يعلم به، ومع هذا امتنع جبريل صلى الله عليه وسلم من دخول
البيت، وعلل بالجرو ؛ فلو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم، لم يمتنع
جبريل والله أعلم" .
انتهى من " شرح مسلم " (14/ 84).
وتعقبه العراقي بقوله: " وفيما ذكره النووي نظر ، وقد عرفت أن مما نقل هو عن
العلماء التعليل به : أنها منهي عن اتخاذها ، وذلك مفقود في المأذون في اتخاذه .
ولا يصح استدلاله بذلك الجرو ؛ لأنه لم يكن مأذونا في اتخاذه ، بل هو منهي عنه ؛
إلا أن عدم العلم به أسقط الإثم ، فهو غير مكلف ، للغفلة عنه .
فلا يلزم من عدم دخولهم بيتا فيه كلب غير مأذون في اتخاذه ـ امتناعُهم من دخول بيت
فيه كلب مأذون في اتخاذه ؛ لعدم التقصير مع الإذن.
وما جاء نقصان أجر العمل ، إلا مع عدم الإذن في الاتخاذ ؛ فكذلك امتناع دخول
الملائكة . والله أعلم" انتهى من " طرح التثريب "(6/35).
وعليه : فالأظهر : أن الكلب المأذون في اقتنائه لا يمنع دخول الملائكة.
والله أعلم.