قصة إسلام زيد بن سعنة هل هي صحيحة ؟

06-05-2017

السؤال 254556


بينما كان الرسول عليه الصلاة والسلام جالسا بيت أصحابه ، إذ برجل من أحبار اليهود يسمى زيد بن سعنة ـ وهو من علماء اليهود ـ دخل على الرسول عليه الصلاة والسلام ، واخترق صفوف أصحابه حتى أتى النبي عليه الصلاة والسلام ، وجذبه من مجامع ثوبه ، وشده شدا عنيفا. وقال له بغلظة : أوفِ ما عليك من الدين يا محمد ، إنكم يا بني هاشم قوم مطل ـ أي: تماطلون في أداء الديون ـ . وكان الرسول عليه الصلاة والسلام قد استدان من هذا اليهودي بعض الدراهم ، ولكن لم يحن موعد أداء الدين بعد ، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهز سيفه ، وقال: ائذن لي بضرب عنقه يا رسول الله ، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (مره بحسن الطلب ، ومرني بحسن الأداء) ، فقال اليهودي: والذي بعثك بالحق يا محمد ما جئت لأطلب منك دينا إنما جئت لأختبر أخلاقك ، فأنا أعلم أن موعد الدين لم يحن بعد ، ولكني قرأت جميع أوصافك في التوراة فرأيتها كلها متحققة فيك إلا صفة واحدة لم أجربها معك ، وهي أنك حليم عند الغضب ، وأن شدة الجهالة لا تزيدك إلا حلما ، ولقد رأيتها اليوم فيك ، فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأما الدين الذي عندك فقد جعلته صدقة على فقراء المسلمين ، وقد حسن إسلام هذا اليهودي ، واستشهد في غزوة تبوك. فما صحة هذه القصة ؟

ملخص الجواب:

ملخص الجواب : هذا الحديث ضعيف .

الجواب

الحمد لله.


هذه القصة المذكورة ، هي جزء من حديث طويل ، حول قصة إسلام زَيْدِ بْنِ سَعْنَة .

وقد رواه ابن حبان في صحيحه (1 / 521) ، والطبراني في " المعجم الكبير " (5 / 222) ، والحاكم في " المستدرك " (3 / 604) ، وغيرهم بأسانيدهم ، عن محمد بن المتوكل وهو ابن أبي السري ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده قال: قال عبد الله بن سَلام : ... ( وذكر القصة ) .

وهذا إسناد ضعيف :

محمد بن المتوكل وهو ابن أبي السري : هذا الراوي قال عنه أهل العلم : إنه مع صدقه عنده أوهام كثيرة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" محمد ابن المتوكل ابن عبد الرحمن الهاشمي ، مولاهم ، العسقلاني ، المعروف بابن أبي السَّرِي ، صدوق عارف له أوهام كثيرة " انتهى من " تقريب التهذيب " (ص 504) .

لكن وهمه في هذه الراوية مستبعد لأن هناك من الرواة من وافقه في روايته هذه عن الوليد بن مسلم .
فقد رواه أيضا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي عن الوليد بن مسلم ، كما أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5 / 222) وغيره .
وعبد الوهاب بن نجدة الحوطي ثقة في روايته .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" عبد الوهاب ابن نَجْدة الحَوْطي أبو محمد ثقة " انتهى من " تقريب التهذيب " (ص 368) .
- الوليد بن مسلم : وهذا الراوي مع الثقة بحديثه إلا أنه كان مدلّسا .
وحديث المدلس لا يقبل حتى يصرّح بالسماع من شيخه ؛ كأن يقول حدثنا أو أخبرنا أو سمعته يقول ونحو هذا من الألفاظ التي تدل على سماعه من شيخه .
قال الذهبي رحمه الله تعالى :
" الوليد بن مسلم الحافظ أبو العباس ، عالم أهل الشام ، قال ابن المديني : ما رأيت من الشاميين مثله ... قلت : كان مدلسا فيتقى من حديثه ما قال فيه ( عن ) " انتهى من " الكاشف " (2 / 355) .
وهو في روايته هذه قال " حدثنا محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه " فتقبل روايته ، كما ثبت من رواية الثقة عبد الوهاب ابن نجدة الحوطي عند ابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " (4 / 110) .
لكن الوليد بن مسلم ليس مشهورا بالتدليس فقط ، وإنما أيضا بتدليس التسوية .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" الوليد بن مسلم القرشي مولاهم ، أبو العباس الدمشقي ، ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية " انتهى من " تقريب التهذيب " (ص 584) .
وتدليس التسوية هو أن يسقط الراوي شيخ شيخه من الإسناد إذا كان راويا ضعيفا .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
" وأما من روى عن ضعيف فأسقطه من الإسناد بالكلية فهو نوع تدليس .
ومنه ما يسمى التسوية ، وهو أن يروي عن شيخ له ثقة ، عن رجل ضعيف ، عن ثقة ، فيسقط الضعيف من الوسط .
وكان الوليد بن مسلم ، وسنيد بن داود وغيرهما يفعلون ذلك " انتهى من" شرح علل الترمذي " (2 / 825) .
والمدلس تدليس التسوية لا تقبل روايته حتى يكون هناك تصريح بسماع شيخه من شيخ شيخه ولا يكفي تصريحه بالسماع من شيخه فقط .
قال ابن الملقّن رحمه الله تعالى :
" الوليد لا ينفعه تصريحه بالتحديث ، فإنه اشتهر بتدليس التسوية ، وهو أن لا يدلس شيخ نفسه ولكن شيخ شيخه " انتهى من " المقنع " (1 / 218) .
والوليد بن مسلم في حديثه هذا لم يصرح بالتحديث بين شيخه محمد بن حمزة بن يوسف وشيخ شيخه حمزة بن يوسف .
لكن أهل العلم في نقدهم لهذا الحديث لم يتطرقوا لهذا ، ولعل سبب ذلك أن الغالب أن الابن يسمع من أبيه مباشرة ؛ ومن النادر أن يروي الابن عن أبيه بواسطة شخص آخر ، والنادر لا حكم له .
- محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام : هذا الراوي صدوق في روايته .
قال الذهبي رحمه الله تعالى :
" محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، قال أبو حاتم : لا بأس به " انتهى من " الكاشف " (2 / 166) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، صدوق " انتهى من " تقريب التهذيب " (ص 475) .
- حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام : مجهول الحال .
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى بعد أن ذكر هذا الحديث وقال عنه : منكر قال :
" وعلته حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، فإنه ليس بالمعروف ، ولذلك بيّض له الذهبي في " الكاشف " ، وقال الحافظ :
" مقبول ". يعني عند المتابعة ، وإلا فليّن الحديث كما نص عليه في مقدمة " التقريب " .
وكأنه لجهالته لم يورده البخاري في " التاريخ " ولا ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " انتهى من " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (3 / 516) .

ومعنى : "بيض له ... " أنه ذكره في كتابه "الكاشف في معرفة من له رواية من الكتب الستة (2/320) رقم (1244) ولم يذكر فيه توثيقا ولا تضعيفا .

وقال الذهبي رحمه الله تعالى :
" وخبر إسلام - زيد بن سعنة - رواه الوليد بن مسلم ، عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده عبد الله ، قال: لما أراد الله هدى زيد بن سعنة ، قال : ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه ، إلا شيئين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل إلا حلما .
وذكر الحديث بطوله . وهو في الطوالات للطبراني ، وآخره : فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . وآمن به وبايعه ، وشهد معه مشاهد ، وتوفي في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر .
والحديث غريب ، من الأفراد " انتهى من " سير اعلام النبلاء " (1 / 444) .

وقال في تعقبه للحاكم في المستدرك لما قال :
" هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه وهو من غرر الحديث " .
فقال الذهبي :
" ما أنكره وأركّه ، لا سيما قوله ( مقبلا غير مدبر ) فإنه لم يكن في غزوة تبوك قتال " انتهى من" مستدرك الحاكم " (3 / 605) .

فالحاصل ؛ أن هذا الحديث ضعيف لأن مداره على حمزة بن يوسف ، وهو مجهول الحال ، ولم يتابع عليه . مع ما في متنه من النكارة .

والله أعلم .

الأحاديث الضعيفة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب