الحمد لله.
أولًا:
ينبغي أن يعلم أن الأصل في المرأة أن تبقى في بيتها، وأن خروجها للعمل إنما هو لظروف استثنائية طارئة، فإن أمكنها الاستغناء عن الخروج للعمل، فهذا هو الأفضل والأولى بها بلا شك.
وينظر جواب السؤال رقم:.( 106815 )
ثانيا:
من المتفق عليه أن للوالد ولاية على أولاده في تأديبهم، وأمرهم بما يصلحهم، ونهيهم عما يفسدهم.
قال الله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم6/.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" ويجب على الإنسان أن يأمر أهله بالمعروف كزوجته، وأولاده، ونحوهم، وينهاهم عن المنكر: لقوله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) الآية، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته ) الحديث " انتهى. "أضواء البيان" (2 / 209).
لكن على الوالد أن يتقيد في ولايته على أولاده وبناته بتحقيق الأصلح والأحسن لهم؛ لأن هذا هو المطلوب في كل ولاية مهما صغرت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها...
وقد أجمع المسلمون على معنى هذا؛ فإن وصي اليتيم، وناظر الوقف، ووكيل الرجل في ماله؛ عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح، كما قال الله تعالى: ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )، ولم يقل إلا بالتي هي حسنة.
وذلك لأن الوالي راع على الناس بمنزلة راعي الغنم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته؛ والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها؛ والولد راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته؛ والعبد راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته؛ ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته). أخرجاه في الصحيحين، وقال صلى الله عليه وسلم: ( ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه رائحة الجنة ) رواه مسلم " انتهى. "مجموع الفتاوى" (28 / 250 – 251).
وبناء على هذا ؛ فإن منع هذا الوالد لابنته عن العمل ينظر فيه؛ هل هذا المنع يحقق الأصلح والأحسن للبنت في الدنيا والآخرة؟ أو لا ؟
- فإن كان هذا المنع يحقق الأصلح للبنت؛ وذلك بأن يكون الوالد قد كفاها مؤونة النفقة، فهو يوفر لها كل ما تطلبه وتحتاجه، ثم هو ينظر إلى مصلحتها في منعها عن العمل - رغم خلوه من الاختلاط -، كما لو أرد حفظها من فتن الطرقات والتنقل للعمل كما هو حاصل في عدد من البلدان، أو غير ذلك من المصالح المعتبرة التي قد لا تدركها البنت ؛ ففي هذه الحالة يشرع للوالد منع ابنته من العمل ؛ ويجب عليها طاعته، لأنه يسعى لتحقيق الأصلح لها شرعا.
- أما إذا كان الوالد لا ينفق على ابنته، أو لا قدرة له على توفير ما يكفيها من النفقة، أو يقوم بالنفقة الواجبة، ثم هو ينهاها عن الخروج إلى العمل الجائز تعنتا معها، أو عدم مبالاة بما يصلحها ؛ فالذي يظهر أنه يكون بذلك مضارا، شاقا على من ولاه الله أمره.
عَنْ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قالَ: ( لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ ) رواه الحاكم (2 / 57 - 58) وقال صحيح الإسناد على شرط مسلم، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1 / 498).
وهنا ينصح الأب بأن يعيد النظر في الأمر، ويتجرد من هواه، ثم ينظر الأصلح لابنته ويفعله.
لكن الفتاة، على الرغم من ذلك: ليس لها أن تشاق والدها، ولا أن تخرج عن طاعته، فتعمل من دون إذنه ورضاه، لأن هذا سيؤدي إلى مزيد من النزاعات والخلافات داخل الأسرة، مما يهدد الأسرة بأسرها، ويؤدي إلى قطيعة الرحم. ولأن فتح الباب لمثل ذلك، هو فتح لباب عظيم من الفساد.
فعلى الفتاة في هذه الحالة أن تطلب من عقلاء العائلة وكبارها أن يتوسطوا لدى الأب لإقناعه بالصواب ؛ فإما أن ينفق عليها حاجتها، ويقوم برعايتها على الوجه اللائق بمثله، وإما أن يسمح لها بالعمل، متى سلم من المفاسد، والإضرار بها وبمصالحها.
هذا نقوله تقديرا؛ وإلا، فالذي يغلب على الظن أنه يندر أن يضيع الأب ابنته من النفقة الواجبة عليه، ثم هو يمنعها من عمل لا مفسدة فيه !!
والله أعلم.