الحمد لله.
أولا:
يجوز الدعاء على الظالم بقدر مظلمته .
وأما الدعاء عليه أن يقصمه الله ، وأن يهلكه : فإن لم يكن مستحقا لذلك كان اعتداء في الدعاء.
قال القرافي رحمه الله : " الدعاء على الظالم له أحوال :
إما بعزله لزوال ظلمه فقط ، وهذا حسن .
وثانيها : بذهاب أولاده ، وهلاك أهله ونحوهم ، ممن له تعلق به ، ولم يحصل منه جناية عليه ، وهذا ينهى عنه لأذيته من لم يمُنَّ عليه .
وثالثها : الدعاء بالوقوع في معصيةٍ : كابتلائه بالشرب أو الغيبة أو القذف ، فينهى عنه أيضًا ؛ لأن إرادة المعصية للغير معصية .
ورابعها : الدعاء عليه بحصول مؤلماتٍ في جسمه ، أعظم مما يستحقه في عقوبته ، فهذا لا يتجه أيضًا ، لقوله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) البقرة/194 " انتهى نقلا عن "الفواكه الدواني" (1/470).
وقال رحمه الله: " وَلَا تَدْعُو عَلَيْهِ بِمُؤْلِمَةٍ لَمْ تَقْتَضِهَا جِنَايَتُهُ عَلَيْك. بِأَنْ يَجْنِيَ عَلَيْك جِنَايَةً فَتَدْعُوَ عَلَيْهِ بِأَعْظَمَ مِنْهَا، فَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْك؛ لِأَنَّك جَانٍ عَلَيْهِ بِالْمِقْدَارِ الزَّائِدِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة: 194] فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الضَّوَابِطَ وَلَا تَخْرُجْ عَنْهَا" انتهى من الفروق (4/ 292).
وانظر: جواب السؤال رقم (106446).
ثانيا:
يجوز تعليق الدعاء على إرادة الله وعلمه، كأن يقال في حق الكافر المعتدي مثلا: اللهم إن لم ترد هدايته فانتقم منه، أو فأهلكه، أو يقال: اللهم إن كان قد سبق في علمك أنه لن يؤمن، فاقصمه وأهلكه.
وعلى هذا حُمل دعاء موسى عليه السلام على فرعون بقوله: (رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ) يونس/88
فهذا محمول على أنه علم أن فرعون لن يؤمن.
وتعليق الدعاء بالشرط : ثابت في عدة أحاديث، منها ما في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي "
[البخاري (5671) ومسلم (2680)].
قال ابن القيم رحمه الله: " وقد شرع اللَّه سبحانه لعباده التعليق بالشروط في كل موضع يحتاج إليه العبد، حتى بينه وبين ربه ، كما قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم لضُباعة بنت الزبير وقد شَكَتْ إليه وقت الإحرام، فقال: (حُجِّي واشترطي على ربك فقولي: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فإن لك ما اشترطت على ربك) ؛ فهذا شرط مع اللَّه في العبادة .
وقد شرعه على لسان رسوله لحاجة الأمة إليه، ويفيد شيئين: جواز التحلل، وسقوط الهَدْي .
وكذلك الداعي بالخِيَرة ؛ يشترط على ربه في دعائه، فيقول: اللهم إن كان هذا الأمر خيرًا لي في ديني ومَعَاشي وعاقبة أمري ، عاجله وآجله ، فاقْدُرْهُ لي ويسره لي، فيعلق طلب الإجابة بالشرط لحاجته إلى ذلك ، لخفاء المصلحة عليه.
وكذلك النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترط على ربه : أيما رجل سَبَّهُ أو لعنه ، وليس لذلك بأهل : أن يجعلها كفارة له وقربة يقربه بها إليه . وهذا تعليق للمدعو به بشرط الاستحقاق.
وكذلك المصلِّي على الميت : شرع له تعليق الدعاء بالشرط، فيقول: اللهم أنت أعلم بسره وعلانيته، وإن كان محسنًا فتقبل حسناته، وإن كان مسيئًا فتجاوز عن سيئاته؛ فهذا طلب للتجاوز عنه بشرط ..
وكذلك أرشد أمته صلى اللَّه عليه وسلم إلى تعليق الدعاء بالحياة والموت بالشرط فقال: (لا يتمنى أحدكم الموتَ لضر نزل به، ولكن ليَقُلْ: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرًا لي، وتَوَفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)، وكذلك قوله في الحديث الآخر: (وإذا أردت بعبادك فتنة فتوفني إليك غيرَ مفتون)" انتهى من إعلام الموقعين (5/ 371).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " تعليق الأحكام وتعليق النيات وتعليق الدعاء وما أشبه ذلك : أمر ثابت شرعاً، تعليق الأحكام الشرعية بالشروط ثابت، وتعليق الدعاء بالشروط ثابت، وتعليق النيات أيضاً مثل ذلك تعليق الأحكام الشرعية. جاءت ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج وأجدني شاكية، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حجي واشترطي: إن محلي حيث حبستني. فإن لك على ربك ما استثنيتي ، هذا اشتراط في الحكم.
الاشتراط في الدعاء قال الله تعالى في آية المتلاعنين: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ هذا دعاء معلق بشرط، وكذلك تقول هي: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ .
فالدعاء يصح أن يعلق بالشرط، والأحكام الشرعية يصح أن تعلق بالشرط ؛ إلا إذا ورد النص بخلافها" انتهى من فتاوى الشيخ ابن عثيمين (19/ 179).
والحاصل : أنه يجوز تعليق الدعاء بقولك: اللهم إن لم ترد هداية فلان فافعل به كذا، بشرط أن يكون مستحقا للمدعو به وإلا كنت معتديا ظالما له.
والله أعلم.