لو سمحت أريد أن أسال هل الرقص حرام فعلا، وهل رقص الفتاة وحدها في منزلها حرام. وما الضرر إن تعلمت الرقص أمام المراة وهل لذلك علاقة بالجن وهل حقا، كما قيل أن الجن يعشق البنت صاحبة الشعر الطويل؟
الحمد لله.
رقص النساء ليس محرما في أصله، ولم يأت فيه نهي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل قد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى امرأة حبشية ترقص وأراها عائشة، ولم ينهها.
أخرج الترمذي (3691) من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ صِبْيَانٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ تَعَالَيْ فَانْظُرِي فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا بَيْنَ المَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ لِي: أَمَا شَبِعْتِ، أَمَا شَبِعْتِ قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ لَا لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ عُمَرُ، قَالَتْ: فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا: قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ قَالَتْ: فَرَجَعْتُ".
قال المباركفوري:
" كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِي صُورَةِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَإِلَّا كَيْفَ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَاهُ عَائِشَةَ " انتهى من "تحفة الأحوذي" (10/124).
ولكنّ الحديث بهذا اللفظ: شاذ؛ لمخالفة هذه الرواية لجميع الروايات الأخرى في الصحيحين وغيرهما وكلها تدل على أن الراقصين إنما كانوا رجالا، وَحَمَل الْعُلَمَاءُ رقص الحبشة عَلَى الْوَثْبِ بِسِلاَحِهِمْ، وَلَعِبِهِمْ بِحِرَابِهِمْ .
ومما يقوي شذوذ هذه الرواية - تفرد خارجة بن عبد الله بها، فقد رواها عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة، مخالفا بذلك جميع الطرق التي ورد بها الحديث عن عروة عن عائشة .
و"خارجة" متكلم فيه، فقد ضعفه بعض الأئمة، وقبل روايته بعضهم، ينظر "الكامل" لابن عدي (3/50) .
ولذلك سأل الترمذي شيخَه البخاري عن هذا الحديث، فاستغربه.
قال الترمذي رحمه الله: "سألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه واستغربه" انتهى من "علل الترمذي" (ص372).
وسواء صح الحديث في رقص المرأة الحبشية أم لم يصح، فإن البراءة الأصلية تقوي القول بإباحته.
لكن لما صار الرقص لا يكاد ينفك عن أنغام الموسيقى والغناء، وإثارة الفتن، والتفنن في التكسر، وزادت البلية في العصر الحديث بالتشبه برقصات المجون الغربي والانحلال الأخلاقي، وشاعت الرقصات المستوردة، بالألبسة العارية، وكثر فيه الاختلاط وعظمت به الفتنة، وصار الإبداع فيه بقدر تقليد الكفرة ورؤوس الفسق والفاجرات؛ فلذلك حرمه جمع من أهل العلم سدا للذريعة الموصلة إلى هذه المنكرات .
وسبق أن نقلنا المنع منه عن الشيخ ابن عثيمين في جواب السؤال (9290) .
وأهل العلم رحمهم الله يمنعون الأمر المباح في أصله، إذا كان طريقا مؤديا إلى المحرم غالبا؛ لأنه يخشى على الذين يدورون حوله ويلابسونه كثيرا : أن يقعوا فيه (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه).
قال المرداوي:
" قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: كُلُّ فِعْلٍ أَفْضَى إلَى مُحَرَّمٍ كَثِيرًا: حَرَّمَهُ الشَّارِعُ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ. لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلشَّرِّ وَالْفَسَادِ " انتهى من "الإنصاف" (6/90).
وقال ابن رجب عن حديث الجاريتين اللتين كانتا تغنيان في بيت عائشة رضي الله عنها وتضربان بدفهما يوم العيد:
"كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرخص لهم في أوقات الأفراح، كالأعياد والنكاح وقدوم الغياب في الضرب للجواري بالدفوف، والتغني مع ذلك بهذه الأشعار، وما كان في معناها.
فلما فتحت بلاد فارس والروم، ظهر للصحابة ما كان أهل فارس والروم قد اعتادوه من الغناء الملحن، بالإيقاعات الموزونة، على طريقة الموسيقى، بالأشعار التي توصف فيها المحرمات، من الخمور والصور الجميلة المثيرة للهوى الكامن في النفوس، المجبول محبته فيها، بآلات اللهو المطربة، المخرج سماعها عن الاعتدال !!
فحينئذ: أنكر الصحابة الغناء واستماعه، ونهوا عنه وغلظوا فيه...
وليس الغناء والدف المرخص فيهما، في معنى ما في غناء الأعاجم ودفوفها المصلصلة، لأن غناءهم ودفوفهم: تحرك الطباع وتهيجها إلى المحرمات؛ بخلاف غناء الأعراب .
فمن قاس أحدهما على الآخر: فقد أخطأ أقبح الخطأ، وقاس مع ظهور الفرق بين الفرع والأصل، فقياسه من أفسد القياس، وأبعده عن الصواب" انتهى من "فتح الباري لابن رجب" (8/427-431) مختصرا .
والذي يظهر أننا إن رخصنا في رقص النساء، فينبغي أن نفرق بين نوعين من ذلك:
الأول : ما يكون الرقص فيه عفويا لا فتنة فيه، فهو لا يعدو أن يكون عبارة عن شيء من الاهتزاز مع تمايل واعوجاج، فهذا يجوز، للزوج، أو في الخلوة، مع أمن اطلاع الرجال عليه.
الثاني : ما اشتمل على محرم كالمعازف، أو الألبسة العارية، أو الاختلاط مع الرجال، أو كان على هيئة رقص الفاجرات، وأهل المجون والخلاعة، وتقليدهم، ونحو ذلك فهذا يمنع تعلمه وتعليمه؛ لما فيه من المنكر، وما يؤدي إليه من إثارة الفتن وتهييج الشهوات .
فعلى القسم الأول: يأتي قول القائلين بإباحة الرقص.
وعلى الثاني: يأتي قول القائلين بالمنع.
قال النووي رحمه الله: وَالرَّقْصُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: لَكِنَّ الرَّقْصَ الَّذِي فِيهِ تَثَنٍّ وَتَكَسُّرٌ يُشْبِهُ أَفْعَالَ الْمُخَنَّثِينَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. اهـ
وجاء في الموسوعة الفقهية:
الرقص مكروه عند الجمهور، واختار الشافعية إباحته وقيدوها "بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَكَسُّرٌ كَفِعْل الْمُخَنَّثِينَ؛ وَإِلاَّ حَرُمَ عَلَى الرِّجَال وَالنِّسَاءِ .
أَمَّا مَنْ يَفْعَلُهُ خِلْقَةً مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَلاَ يَأْثَمُ بِهِ.
قَال فِي الرَّوْضِ: وَبِالتَّكَسُّرِ : حَرَامٌ، وَلَوْ مِنَ النِّسَاءِ" انتهى مختصرا من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (23/10).
ولذلك نجد الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مع أنه ممن ينهى عنه، نجده قد أجازه في بعض الأحوال التي أمِن فيها من المنكر والمحذور .
قال رحمه الله :
" أما رقص المرأة أمام زوجها، وليس عندهما أحد: فلا بأس به؛ لأن ذلك ربما يكون أدعى لرغبة الزوج فيها، وكل ما كان أدعى لرغبة الزوج فيها : فإنه مطلوب، ما لم يكن محرَّماً بعينه، ولهذا يسن للمرأة أن تتجمل لزوجها، كما يسن للزوج أيضاً أن يتجمل لزوجته كما تتجمل له " انتهى. " اللقاء الشهري " (12 / السؤال رقم9).
ما ذكرته السائلة من عشق الجني للمرأة ذات الشعر الطويل، ودخول الجني في اللاتي يكثرن من النظر في المرآة: لا نعلم له أصلا .
لكن إذا كانت المرآة في بيت الخلاء، فعليها أن تعجل بالخروج منه، وأن لا تطيل المكث فيه؛ لأن الحشوش – وهي أماكن قضاء الحاجة - أماكن الشياطين، وقد جاء في حديث زيد بن أرقم مرفوعا : إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَة ٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ. رواه أبو داود (6) وصححه الألباني في الصحيحة (1070).
قال شيخ الإسلام: "ولا يطيل المقام لغير حاجة؛ لان المقام فيه لغير حاجة مكروه؛ لأنه مُحْتَضر الشياطين وموضع إبداء العورة ". انتهى " شرح العمدة" (1/60).
فينبغي للمرأة أن لا تطيل المكث في الخلاء، وأن تعتني بالأذكار الشرعية قبل دخوله .
والله أعلم .