الحمد لله.
وزواج الزاني من الزانية بعد توبة كل
منهما زواج صحيح، ولا يعتبر صاحبه مسافحا ولا مخادنا.
وإنما يحرم زواجهما قبل التوبة لقوله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا
زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ
مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/2، والمعنى على أحد القولين:
أن الزاني إذا لم يتب فإنه لا ترضى بالزواج منه إلا زانية فاجرة، أو مشركة تستحل
ذلك.
وحيث إنكما قد تبتما قبل عقد النكاح فنكاحكما صحيح.
لكن قد ذكرت أن زوجتك كانت قد نكحت نكاحا فاسدا ثم انفصلا، فإن كان المراد بالانفصال: الطلاق أو الفسخ من القاضي، فهذا هو المطلوب.
وإن كان لم يتم طلاقها، أو فسخ نكاحها
الفاسد : فلا يصح عقدك عليها حتى يتم الطلاق أو الفسخ ثم تعقد عليها من جديد.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وإذا تزوجت المرأة تزويجا فاسدا : لم يجز تزويجها لغير
من تزوجها حتى يطلقها ، أو يفسخ نكاحها .
وإذا امتنع من طلاقها : فسخ الحاكم نكاحه . نص عليه أحمد" انتهى من المغني (7/
342).
ثانيا:
إذا زنى الرجل بامرأة وانقضت عدتها : لم تحرم عليه أختها اتفاقا؛ لأنه لو تزوج
بامرأة ثم فارقها: جاز له أن ينكح أختها.
وإنما حصل الخلاف فيما لو زنى بامرأة، فهل له أن يتزوج من أمها أو بنتها؟
فذهب الحنفية والحنابلة إلى التحريم،
وجعلوا الوطء المحرَّم ، كالوطء الحلال : تثبت به حرمة المصاهرة . فكما لو تزوج
بامرأة ودخل بها ، فإنها تحرم عليه بنتها، وكذلك تحرم عليه أمها بمجرد العقد ؛
فكذلك لو زنى، حرمت عليه بنتها وأمها.
وذهب المالكية والشافعية إلى أن له أن يتزوج بها .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ( ووطء الحرام محرِّم ، كما يحرم وطء الحلال والشبهة )
.
يعني : أنه يثبت به تحريم المصاهرة .
فإذا زنى بامرأة : حرمت على أبيه وابنه , وحرمت عليه أمها وابنتها ...
وروي نحو ذلك عن عمران بن حصين . وبه قال الحسن وعطاء , وطاوس , ومجاهد , والشعبي
والنخعي , والثوري , وإسحاق وأصحاب الرأي .
وروى ابن عباس: أن الوطء الحرام لا يحرم .
وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر , وعروة , والزهري , ومالك , والشافعي , وأبو
ثور وابن المنذر " انتهى من "المغني" (7/ 90).
والراجح : ما ذهب إليه المالكية
والشافعية من عدم التحريم ، لأن الحرام لا يحرِّم الحلال؛ ولأن بين العقد والوطء
الحرام : فروقا كثيرة، من جهة النسب، والعدة، والميراث، وغيرها.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
" لو أن رجلاً زنى بامرأة فهل يحرم عليه أصلها وفرعها؟ وهل يحرم عليها أصله وفرعه؟
لا يحرم؛ لأنه لا يدخل في قول: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ
اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ) ، وقوله: (وَلاَ تَنْكِحُوا مَا
نَكَحَ آبَاؤُكُمْ) ، وقوله: (وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ) .
والزانية لا تدخل في هذا؛ فالمزني بها ليست من حلائل الأبناء، وكذلك أمُّ المزني
بها ليست من أمهات نسائك .
إذاً: فتكون حلالاً؛ لدخولها في قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ
ذَلِكُمْ) ، وفي قراءة و " أَحلَّ لكم ما وراء ذلك ".
والمذهب: أن الزنا كالنكاح، فإذا زنا بامرأةٍ: حرُم عليه أصولها، وفروعها، وحرم
عليها أصوله، وفروعه، تحريماً مؤبَّداً .
وهذا من غرائب العلم، أن يُجْعل السفاح كالنكاح، وهو من أضعف الأقوال" انتهى من "
الشرح الممتع " (12 / 119، 120) .
وأما في حال الأخت، فالممنوع هو الجمع
بين الأختين.
فعلى قول الحنفية والحنابلة: لو زنى بامرأة، لم يجز له نكاح أختها حتى تنقضي عدة
الزانية، وأما بعد انقضاء عدتها فلا حرج عليه أن يتزوج أختها؛ لأنه ينتفي بذلك
الجمع بين الأختين.
قال ابن قدامة رحمه الله: "إن زنى بامرأة , فليس له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي
عدتها" انتهى من المغني (7/ 90).
وعليه : فما دام زواجك قد تم بعد مدة ، انقضت فيها عدة الزانية (أ)، فزواجك صحيح.
ولا شأن لنا بالمذهب الإباضي، ولا اعتداد بقوله في الوفاق ، أو الخلاف .
وقد عرضنا الحكم بأدلته من القرآن
الكريم ، مقرونا بأقوال أئمة أهل السنة والجماعة .
ونصيحتنا أن تدع الوسوسة، وأن تتمسك بزوجتك وتستقيما معا على طاعة الله.
قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ
اهْتَدَى) طه/82
والله أعلم.