الحمد لله.
أولا:
يشترط لصحة النكاح أن يعقده ولي المرأة ، أو وكيله، فيتلفظ الولي بالإيجاب فيقول: زوجتك ابنتي أو أختي، ويقول الخاطب: قبلت الزواج من ابنتك أو أختك، وأن يكون هذا في حضور شاهدين مسلمين يفهمان لغتهما.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن النكاح لا ينعقد إلا بألفاظ مخصوصة وهي الألفاظ الواردة في الشرع .
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن النكاح ينعقد بأي لفظ عدّه الناس نكاحا . وهذا القول هو الراجح .
قال البهوتي رحمه الله في كشاف القناع (5/ 37) : " (وأركانه) أي النكاح ثلاثة أحدها: (الزوجان الخاليان من الموانع) الآتية في باب محرمات النكاح .
(و) الثاني (الإيجاب ، و) الثالث (القبول) ؛ لأن ماهية النكاح مركبة منهما ، ومتوقفة عليهما (ولا ينعقد) النكاح (إلا بهما ، مرتبين، الإيجاب أولا ، وهو) - أي الإيجاب - (اللفظ الصادر من قِبَل الولي ، أو من يقوم مقامه) ، كوكيل ؛ لأن القبول إنما يكون للإيجاب ، فإذا وجد قبله ، لم يكن قبولا ؛ لعدم معناه.
(ولا يصح إيجاب ممن يحسن العربية ، إلا بلفظ: أنكحت ، أو زوجت) ؛ لورودهما في نص القرآن ، في قوله: زوجناكها [الأحزاب: 37] ، ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم [النساء: 22] ...
(واختار الموفق ابن قدامة والشيخ) تقي الدين ابن تيمية (وجمعٌ = انعقاده بغير العربية ، لمن لم يُحسنها) ؛ لأن المقصود المعنى دون اللفظ .
(وقال الشيخ [=ابن تيمية ] أيضا: ينعقد) النكاح (بما عده الناس نكاحا ، بأي لغة ولفظ كان ، وأنّ مثله) - أي : النكاح - (كل عقد) ؛ فينعقد البيع بما عده الناس بيعا ، بأي لغة ولفظ كان ، والإجارة بما عهده الناس إجارة ، بأي لغة ولفظ كان...
(وإن كان كل منهما) أي العاقدين (لا يحسن لسان الآخر = تَرجم بينهما ثقة يعرف اللسانين)... (ولا بد أن يعرف الشاهدان اللسانين المعقود بهما) ، ليتمكنا من تحمل الشهادة ، لأنها على اللفظ الصادر منهما ؛ فإذا لم يعرفاه : لم يتأت لهما الشهادة به...
(وكفاه) أي العاجز [عن تعلم اللغة العربية] (معناهما الخاص بكل لسان) ، أي : لغة عرفها ؛ لأن ذلك في لغته ، نظير الإنكاح والتزويج " انتهى.
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
"فالقاعدة : أن جميع العقود تنعقد بما دل عليها عرفا ، سواء كانت باللفظ الوارد ، أو بغير اللفظ الوارد ، وسواء كان ذلك في النكاح أو في غير النكاح .
هذا هو القول الصحيح ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " انتهى من "الشرح الممتع" (12/40) .
لكن .. لا ينعقد النكاح بالتلميح والإيحاء ، بل لابد أن يكون اللفظ واضحا في الدلالة على معناه، مستعملا في الإيجاب والقبول الخاصين بعقود الزواج في عرف الزوجين وبلدهما ، لأن الشهود إنما يشهدون على ما سمعوه من ألفاظ ، أنها دالة على النكاح ، وأن ذلك كان مقصود العاقدين بالإيجاب والقبول ؛ فإذا كان اللفظ محتملا ، لم تصح الشهادة على أنه يعني النكاح . ولأن عقد النكاح من العقود الهامة المؤكدة في الشريعة ، فلا ينبغي أن ينعقد إلا بلفظ واضح يرفع كل خصومة ونزاع بين الطرفين ، حتى لا ينكر الولي أنه أراد النكاح ، أو يدعي الخاطب ذلك ...
ثانيا:
لا يصح أن تزوج المرأة نفسها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7557
فإن كانت المرأة مسلمة، وليس لها ولي مسلم : زوجها القاضي الشرعي إن وجد .
فإن كانت في دولة غير إسلامية : زوجها رئيس المركز الإسلامي ، أو إمام المسجد ونحوه ممن له مكانة بين المسلمين.
وينظر: جواب السؤال رقم (208700).
وبهذا تعلم أن الكلام إنما يكون مع الولي لا مع المرأة، وأن الولي يبدأ بالإيجاب، ويرد الخاطب بالقبول، وأن النكاح يكون بالألفاظ الصريحة ، لا بالتلميح ولا بالإيحاء.
ولو أن رجلا لمّح بهذا لامرأة، فإن هذا لا يعد زواجا، بل لو خاطبها باللفظ الصريح وقبلت لم ينعقد النكاح بينهما ، لعدم الولي.
والله أعلم.