الحمد لله.
الأصل أن الإمام يقبل على المصلين بوجهه حين يخاطبهم ، ويأمرهم بتسوية الصفوف .
أولا : لأن هذه هي العادة في الخطاب ، أن يقبل المتكلم بوجهه على من يحدثه .
وثانيا : لينظر بعينه مكان الخلل في الصف، ويتأكد من استجابتهم له، وبذلك وردت الأحاديث .
فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي) رواه البخاري (719) ومسلم (433) ، وهذا لفظ البخاري .
وهذا هو الظاهر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم :
فعن النعمان بن بشير النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال : " أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ) ثَلَاثًا، (وَاللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) رواه البخاري (717) ، ومسلم (436) واللفظ للبخاري .
وفي رواية لمسلم (436) : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ، حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ .
وعلّق علماء اللجنة الدائمة (32/316) على حديثي أنس والنعمان :
"النبي صلى الله عليه وسلم بين في الأحاديث السالفة وجوب تسوية الصفوف، وأنه ينبغي للإمام أن يقبل على المأمومين ويأمرهم بتسوية الصف ، وأن يتراصوا فيه، وأن يتلاصقوا حتى لا يكون بينهم فرج، ولا يتركوا بينهم فجوات للشيطان، وأن يتموا الصفوف الأول فالأول" انتهى .
وقال الشيخ حمد الحمد :
" صفة إقبال الإمام على المأمومين لتسوية الصفوف؟
ظاهر الأحاديث الصحيحة أنه يقبل عليهم بوجهه، فمن ذلك ما تقدم من حديث أنس والنعمان .
وأما ما رواه أبو داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم: أخذ عن يمينه فقال: (سووا صفوفكم واعتدلوا ثم أخذ عن يساره فقال: سووا صفوفكم واعتدلوا) فهو حديث ضعيف فيه مصعب بن ثابت الزبيري وهو ضعيف، فلا يكون معارضاً للأحاديث المصرحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل على الناس بوجهه " انتهى مختصرا من "شرح الزاد" (5/14) بترقيم الشاملة .
ولكنّ الأمر في هذا قريب ، واسع إن شاء الله ، خاصّة إذا كان المسجد كبيرا ولم يكن الإمام جهوري الصوت ، وأراد أن يخاطبهم عبر مكبر الصوت ، فلا حرج عليه في ذلك ، والمهم أن يحرص على تسوية الصفوف ويأمرهم بها ، ويتأكد من تسويتها ، قبل أن يدخل في الصلاة ، كما كان الصحابة رضي الله عنهم ، يفعلون .
روى عبد الرزاق (1/539) عن ابن عمر قال : كان عمر لا يكبر حتى تعتدل الصفوف ، يوكل بذلك رجالا . وفي رواية : (فإذا جاؤوا فأخبروه أن قد استوت ، كبر) .
وروى ابن أبي شيبة (1/387) عن مالك بن أبي عامر قال : سمعت عثمان وهو يقول : استووا، وحاذوا بين المناكب ، فإن من تمام الصلاة إقامة الصف . قال : وكان لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بإقامة الصفوف.
وينظر جواب السؤال (26786) .
والله أعلم .