الحمد لله.
أولا:
سب الله تعالى كفر وردة عن الإسلام بإجماع العلماء .
قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة / 65 - 66.
قال الإمام إسحاق بن راهوية رحمه الله: " قد أجمع العلماء على أن من سب الله عز وجل ، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئا أنزله الله، أو قتل نبيا من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر" . نقله ابن تيمية ، في "الصارم المسلول"، (ص/9) .
وأما كونه حال الغضب : فليس عذرا ، ما لم يصل به الغضب إلى حال الإغلاق التام ، كحال المجنون ، الذي لا يدري فيه ما يقول.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب ، ولو كان ذلك سب الدين؛ فإن توبته تقبل إذا استوفت الشروط التي ذكرناها .
ولكن ليعلم أن الكلمة قد تكون كفراً وردة ، ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها ، لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره .
فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب ، نقول له: إن كان غضبك شديداً بحيث لا تدري ما تقول ، ولا تدري حينئذ أنت في سماء أم في أرض ، وتكلمت بكلام لا تستحضره ، ولا تعرفه ؛ فإن هذا الكلام : لا حكم له ، ولا يحكم عليك بالردة؛ لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد .
وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد : فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ به ، يقول الله تعالى في الأيمان: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (24/ 2).
ثانيا:
إذا تاب الساب قبلت توبته في الدنيا والآخرة، على الراجح، فلا يقتل.
وينظر: جواب السؤال رقم : (150989) .
ثالثا :
من ارتد بسبه لله تعالى فإنه لا يكفيه النطق بالشهادتين ، أو الصلاة للرجوع إلى الإسلام ، بل لابد مع ذلك من الإقلاع عن ذلك الجرم العظيم الذي فعله ، والندم على ذلك ، والعزم على عدم العودة إليه مرة أخرى .
فبهذا تثبت توبته ، ورجوعه إلى الإسلام .
قال الخرقي : "وَمَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ ، فَقَالَ : مَا كَفَرْت . فَإِنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، لَمْ يُكْشَفْ عَنْ شَيْءٍ" .
قال ابن قدامة في شرح كلام الخرقي في "المغني" (12/286- 289) :
"إذَا ثَبَتَتْ رِدَّتُهُ بِالْبَيِّنَةِ ، أَوْ غَيْرِهَا ، فَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ : لَمْ يُكْشَفْ عَنْ صِحَّةِ مَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ ، وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ ، وَلَا يُكَلَّفُ الْإِقْرَارَ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ . فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّ هَذَا يَثْبُتُ بِهِ إسْلَامُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَكَذَلِكَ إسْلَامُ الْمُرْتَدِّ ، وَلَا حَاجَةَ مَعَ ثُبُوتِ إسْلَامِهِ إلَى الْكَشْفِ عَنْ صِحَّةِ رِدَّتِهِ .
وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِجَحْدِ الْوَحْدَانِيَّةِ ، أَوْ جَحْدِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ جَحْدِهِمَا مَعًا .
فَأَمَّا مَنْ كَفَرَ بِغَيْرِ هَذَا ، فَلَا يَحْصُلُ إسْلَامُهُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ بِمَا جَحَدَهُ .
وَمَنْ أَقَرَّ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ مَبْعُوثًا إلَى الْعَالَمِينَ : لَا يَثْبُتُ إسْلَامُهُ حَتَّى يَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ ، أَوْ يَتَبَرَّأَ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ .
وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ مَبْعُوثٍ بَعْدُ غَيْرِ هَذَا ، لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ بِأَنَّ هَذَا الْمَبْعُوثَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ ، احْتَمَلَ أَنَّهُ أَرَادَ مَا اعْتَقَدَهُ .
وَإِنْ ارْتَدَّ بِجُحُودِ فَرْضٍ ، لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ ، وَيُعِيدَ الشَّهَادَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِمَا اعْتَقَدَهُ .
وَكَذَلِكَ إنْ جَحَدَ نَبِيًّا ، أَوْ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ كِتَابًا مِنْ كُتُبِهِ ، أَوْ مَلَكًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ الَّذِينَ ثَبَتَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ ، أَوْ اسْتَبَاحَ مُحَرَّمًا فَلَا بُدَّ فِي إسْلَامِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِمَا جَحَدَهُ" انتهى.
فثبت بهذا أن من سب الله تعالى لا يعود إلى الإسلام إلا بتوبته من هذا السب ، ولا يكفي في هذا نطقه بالشهادتين ولا الصلاة .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (1/412) :
" س : إذا نقض المسلم إسلامه، وبعد مدة قليلة استغفر ربه. فهل في هذه الحالة يشترط عليه أن يجدد توبته ويقول الشهادتين؟
الجواب :
توبة المرتد على حسب حاله، فإن كان بفعل شيء محرم يوجب الردة، فبتركه مع الندم على ما مضى منه، والعزم الصادق أن لا يعود فيه، وإن كان بترك شيء واجب فبفعله مع الندم على ما مضى، والعزم الصادق أن لا يعود فيه، وإن كان بقول شيء، فتوبته بترك ذلك مع الندم على ما مضى منه، والعزم الصادق أن لا يعود فيه.
فتارك الصلاة توبته بفعلها مع الندم على ما مضى منه، والعزم الصادق أن لا يعود فيه، والمستبيح لفعل المحرمات المجمع على تحريمها، والمعلوم من الدين بالضرورة، توبته باعتقاد تحريمها، مع الندم على ما مضى منه، والعزم الصادق أن لا يعود فيه، وتوبة من يدعو غير الله من الأموات وغيرهم يكون بترك ذلك وإخلاص العبادة لله تعالى، مع الندم على ما مضى منه والعزم الصادق أن لا يعود فيه.وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء . بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
"ما حكم من سب الدين، أو سب الرب في إحدى الساعات، ولما حان وقت الصلاة توضأ وصلى الفريضة، فهل أداء الفريضة في ذلك الوقت يعتبر بمثابة إعلان التوبة؟ " .
فأجاب :
" سب الدين ، وسب الرب : ردة عظمى، ردة عظمى عن الإسلام - نعوذ بالله - .
فالواجب على من فعل ذلك أن يبادر بالتوبة، والندم ، والإقلاع .
ولا تكفي الصلاة، فعل الصلاة : ما يكفي ؛ بل لابد من توبةٍ صادقة ، وندم على ما وقع منه، وعزم صادق أن لا يعود في ذلك، لأنه جريمة عظيمة، فلا يجوز له أن يتساهل في هذا الأمر، بل يجب أن يبادر بالتوبة، وحقيقتها الندم على الماضي منه، الندم الحقيقي ، والحزن على ما وقع منه، والعزم الصادق أن لا يعود في ذلك .
وقبل أن يفعل هذا صلاته غير صحيحة ؛ لأنها صلاة كافر، فلابد من توبةٍ قبل الصلاة" انتهى.
https://www.binbaz.org.sa/noor/9392
ولكن .. إن وقع ذلك من شخص قد مات ، كما في السؤال ، فإنه يتوجه الحكم له بالتوبة والإسلام ، إحساناً للظن بالمسلم ، وحملا لفعله على أحسن الأحوال ، ولأنه لم يعد في محل الأمر بالتوبة ، أو التشديد عليه حتى يرجع ، وأمره إلى الله تعالى العالم بحقيقة الحال .
والله أعلم .