الحمد لله.
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة والدعاء حال النعاس .
روى أَنَس رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: ( إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ ) رواه البخاري (210) ومسلم (786) .
وأخرج البخاري (212) ومسلم (786) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ، حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ، لاَ يَدْرِي؛ لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ ، فَيَسُبُّ نَفْسَهُ) .
وفي رواية للنسائي (153) : ( إِذَا نَعَسَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَنْصَرِفْ، لَعَلَّهُ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي ) .
قال الحافظ ابن حجر : " ومعنى يسب : يدعو على نفسه ، وصرح به النسائي في روايته "انتهى من "فتح الباري" (1/315) .
قال الصنعاني :
" قيل: يُشكل بأنه حال النوم مرفوع عنه القلم، فلا حكم لسبه نفسه، فلِمَ نُهِيَ عنه ؟
ويجاب عنه: بأنه لم ينه عنه لأنه يعاقب على ذلك ، بل لعله يسخر منه الشيطان ويضحك عليه.
نظير النهي عن رفع الصوت بالتثاؤب لأنه يضحك منه الشيطان " انتهى من "التنوير شرح الجامع الصغير" (2/225) .
وذكر بعض أهل العلم وجها آخر في النهي : أن السبب في ذلك خشية أن يستجاب له ما يدعو به على نفسه.
قال في "فتح الباري" (1/315) : " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةُ النَّهْيِ خَشْيَةَ أَنْ يُوَافِقَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ. قَالَهُ بن أَبِي جَمْرَةَ " انتهى .
وقال ولي الدين العراقي رحمه الله : " عَلَّلَ الْأَمْرَ فِي الرُّقَادِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ ، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ .
وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ : خَشْيَةَ التَّخْلِيطِ فِيمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ .
وَالْأَمْرُ فِي الْقِرَاءَةِ أَشَدُّ ، لِوُجُوبِهَا ، وَلِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فِي تَغْيِيرِ الْقُرْآنِ .
فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ بِمَا لَا يَقْصِدُ النُّطْقَ بِهِ مِنْ تَغْيِيرِ نَظْمِ الْقُرْآنِ ، أَوْ دُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ نَاعِسٌ؟
قُلْت : قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) : أَنَّ مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ ، بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ : فَهُوَ مُتَعَدٍّ ، بِالصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ؛ فَجِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ . وَهَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ.
(وَالْوَجْه الثَّانِي) : أنَّا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ ، لِعَدَمِ قَصْدِهِ ذَلِكَ ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ الصَّلَاةِ أَدَاؤُهَا عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ ، وَتَحْصِيلُ الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ ، لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ؛ فَإِذَا فَاتَ الْمَقْصُودُ بِكَوْنِهِ لَمْ يَعْلَمْ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ إجَابَةُ مَا قَصَدَ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ لِنَفْسِهِ ؛ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ تَكْلِيفِ نَفْسِهِ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." انتهى .
"طرح التثريب شرح التقريب" لولي الدين العراقي (3/91-92) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (200624) .
والله أعلم .