الحمد لله.
أولا :
روى البخاري في "الأدب المفرد" (63) ، والبيهقي في "الشعب" (7590) ، ووكيع في "الزهد" (412) ، والفسوي في "المعرفة" (1/265) ، من طريق أبي إِدَامٍ الْأَسْلَمِيّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ يَوْمَ عَرَفَةَ: ( إِنَّ الرَّحْمَةَ لَا تَنْزِلُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ ).
وهذا إسناد واه ، أبو إدام اسمه سليمان بن زيد المحاربي ، قال ابن معين: ليس بثقة ، كذاب ، ليس يسوى حديثه فلسا . وقال النسائي: ليس بثقة ، وقال أيضا: متروك الحديث.
"تهذيب التهذيب" (4/ 169)
وقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 151) :
" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ أَبُو إِدَامٍ الْمُحَارِبِيُّ ، وَهُوَ كَذَّابٌ " .
وذكره ابن القيسراني في "ذخيرة الحفاظ" (5/ 2642)، وقال :
" سليمَان هَذَا لَيْسَ بِثِقَة، كَذَّاب " .
وذكره الألباني في "الضعيفة" (1456) وقال : " ضعيف جدا " .
وروى الطبراني في "المعجم الكبير" (8793) والبيهقي في "الشعب" (7592) عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَالِسًا بَعْدَ الصُّبْحِ فِي حَلْقَةٍ، فَقَالَ: " أَنْشُدُ اللهَ قَاطَعَ رَحِمٍ لَمَا قَامَ عَنَّا، فَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَدْعُوَ رَبَّنَا ؛ وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ مُرْتَجَةٌ دُونَ قَاطَعِ رَحِمٍ " .
قال الهيثمي في "المجمع" (8/ 151):
" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ ، إِلَّا أَنَّ الْأَعْمَشَ لَمْ يُدْرِكِ زَمَنَ ابْنِ مَسْعُودٍ " .
ثانيا :
قال الصنعاني رحمه الله في شرحه للحديث :
" (إن الرحمة لا تنزل) من عند الله (على قوم فيهم قاطع رحم) فأصابهم بشؤمه، وفيه التحذير عن مجالسة أهل المعاصي وأن العبد قد يحرم الخير بسببهم، وهو عام للرحمة في الدنيا كالغيث ونحوه، ورحمة الآخرة، وهذا عكس حديث: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) متفق عليه " انتهى مختصرا . من "التنوير" (3/ 464) .
وقد قيل : إن الحديث ليس على عمومه في كل قوم ، بل المراد : الذين يعينونه على القطيعة .
أو : إن الرحمة هنا رحمة خاصة ، وهي المطر .
قال ابن الملك رحمه الله :
" والمراد بهم هم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم ولا ينكرون عليه ذلك، أو المراد بالرحمة المطر؛ أي: يحبس المطر عنهم بشؤم قاطع الرحم." انتهى، من "شرح المصابيح" (5/285) .
وينظر : "فتح الباري" (10/ 415) .
وتعقبه العلامة السفاريني رحمه الله ، بأن الظاهر العموم :
" وظَاهِرُ صَنِيعِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَدُلُّ عَلَى رَحْمَةٍ أَخَصَّ مِنْ الْمَطَرِ، وَعَلَى عُمُومِ مَنْ حَضَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي فِيهِ قَاطِعُ رَحِمٍ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ " انتهى ، من "غذاء الألباب" (1/ 355)
وعلى كل تقدير ، فالمراد بالحديث الزجر عن هذه الكبيرة ، والفعلة الشنيعة .
قال المناوي رحمه الله :
" وَالْمَقْصُود: الزّجر عَن قطيعة الرَّحِم، وحث الْقَوْم على أَن يخرجُوا من بَينهم قاطعها، لِئَلَّا يُحرموا الْبركَة بِسَبَبِهِ " انتهى، من "التيسير" (1/ 285)
وروى البخاري (5984)، ومسلم (2556) عن جُبَيْر بْن مُطْعِمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ ).
قال النووي رحمه الله :
" هَذَا الْحَدِيثُ يُتَأَوَّلُ تَأْوِيلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا: حَمْلَهُ عَلَى مَنْ يَسْتَحِلُّ الْقَطِيعَةَ ، بِلَا سَبَبٍ وَلَا شُبْهَةٍ ، مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهَا، فَهَذَا كَافِرٌ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَبَدًا .
وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ: لَا يَدْخُلُهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَعَ السَّابِقِينَ، بَلْ يُعَاقَبُ بِتَأَخُّرِهِ الْقَدْر الَّذِي يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى " انتهى، من "شرح النووي على مسلم" (16/ 113)
ولذلك ، فإنه ينبغي علينا أن نصل أرحامنا ، ومن كان فينا قاطعا للرحم ، فإننا ننصحه ، ونأمره بصلتها ، وننهاه عن قطعها ، ونبين له حكم ذلك ، ونسعى معه في حصول الوصل ، فإن فعلنا ذلك فأصر على المقاطعة فقد برئنا من ذنبه .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (217775) ، (145514) .
والله تعالى أعلم .