الحمد لله.
الصحابية الجليلة التي سأل عنها السائل الكريم هي رُفيدة الأسلمية أو الأنصارية رضي الله عنها ، قال الخزرجي في الخلاصة (ص491) : " بفاء مصغرة " . انتهى .
وقد ثبت أنها كانت لها خيمة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تداوي فيه المرضى ، فقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" (1129) وابن سعد في "الطبقات" (3/427) من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه قال : لَمَّا أُصِيبَ أَكْحُلُ سَعْدٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَثَقُلَ ، حَوَّلُوهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: رُفَيْدَةُ ، وَكَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ بِهِ يَقُولُ: كَيْفَ أَمْسَيْتَ؟ ، وَإِذَا أَصْبَحَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَيُخْبِرُهُ ". انتهى
والحديث صحح إسناده ابن حجر في "الإصابة" (8/136) ، والشيخ الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (863) .
ورُفيدة الأسلمية ترجم لها ابن عبد البر في "الاستيعاب" (3340) ، وابن الأثير في "أسد الغابة" (6925) ، وابن حجر في "الإصابة" (8/135) ، وذكروا جميعا أنها كانت لها خيمة تداوي فيها الجرحى ، وقيل اسمها كُعَيْبَةُ بِنْتُ سَعْدٍ الْأَسْلَمِيَّةُ ، كذا قال ابن سعد في الطبقات (8/291).
ولم تكن رُفيدة الأسلمية فقط هي من تداوي الجرحى ، بل كان هناك غيرها من نساء الصحابة ممن يذهبن للغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ويداوين الجرحى .
ومن هؤلاء : أم عطية ، والرُّبَيِّع بنت معوذ وأم سليم وغيرهن .
وقد ثبت في صحيح مسلم (1812) عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ ، أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ خَمْسِ خِلَالٍ ، فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْلَا أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ ، كَتَبَ إِلَيْهِ نَجْدَةُ: أَمَّا بَعْدُ، فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟
فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ "
وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ ، فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى ، وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ ، وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ ".
وعند البخاري (2882) عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ، قَالَتْ:" كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْقِي وَنُدَاوِي الجَرْحَى ، وَنَرُدُّ القَتْلَى إِلَى المَدِينَةِ " .
وفي صحيح مسلم (1812) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: " غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ ، أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ ، فَأَصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ ، وَأُدَاوِي الْجَرْحَى ، وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى " .
وفي صحيح مسلم أيضا (1810) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ ، وَنِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا ، فَيَسْقِينَ الْمَاءَ ، وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى» .
ومما ينبغي التنبيه عليه : أن الأصل في حكم مداواة المرأة للرجل : المنع إذ يلزم منه غالبا النظر والمس .
إلا أنه أبيح في الحرب للضرورة ، والضرورة تقدر بقدرها . ولذا قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (10/136) :" تَجُوزُ مُدَاوَاةُ الْأَجَانِبِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّظَرِ وَالْجَسِّ بِالْيَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ". انتهى
وينظر جواب السؤال رقم (223519).
والله أعلم