الحمد لله.
أولا:
السند: شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق.
وما دام البنك يقبض المال ويتصرف فيه، ملتزما رد بدله، فهذا هو القرض.
فالقرض في الشريعة: أخذ مال للانتفاع به ، ورد بدله.
وإذا التزم البنك دفع فائدة ، أو عائد على السند : فهذه فائدة على القرض، وهو ربا مجمع عليه.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/ 241): " وأجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضةً من علف - كما قال ابن مسعود - أو حبة واحدة" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/ 436) : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك : أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى.
وأما حديث: " كل قرضٍ جر نفعًا فهو ربا" فأخرجه البيهقي عن فضالة بن عبيد وابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم .
وأخرجه الحارث بن أسامة في مسنده من حديث علي رضي الله عنه مرفوعا .
وهو حديث ضعيف، لكن معناه صحيح مجمع عليه كما تقدم.
والحاصل : أن السند ذا العائد السنوي ، أو الشهري : قرض ربوي محرم .
ولهذا صدر عن المجامع الفقهية تحريم السندات، وتحريم شهادات الاستثمار من الفئة أ، ب .
ثانيا:
أما السند الرابح، أو شهادة الاستثمار من الفئة (ج) ذات الجوائز، فإنها محرمة كذلك ؛ لأنها جوائز وهدايا ملتزم بها من البنك .
وغاية الأمر أنها لا تعطى لكل العملاء ، بل لبعضهم بالقرعة ؛ فهي فائدة ربوية .
بل فيها جمع بين الربا ، وشبهة القمار كما سيأتي.
وإذا كانت الشريعة تحرم الهدايا الاختيارية على القرض ، أثناء قيام القرض، فما بالك بهذه الهدايا الملتزم بها من قبل البنك.
روى ابن ماجه (2432) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ : الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ ، فَيُهْدِي لَهُ ؟
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا ، فَأَهْدَى لَهُ ، أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ : فَلا يَرْكَبْهَا ، وَلا يَقْبَلْهُ، إِلا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ). حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (6/ 159).
ورَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (3814) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قال: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ ، فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لِي: إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ ، أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ ، أَوْ حِمْلَ قَتٍّ : فَلا تَأْخُذْهُ ؛ فَإِنَّهُ رِبًا.
و (القَتّ) نبات تأكله البهائم.
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي تحريم هذا النوع من الشهادات أيضا.
جاء في قرار المجمع رقم ( 62 / 11 / 6 ) بشأن ( السندات ) :
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 - 20 آذار ( مارس ) 1990م .
بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة ( الأسواق المالية ) المنعقدة في الرباط 20-24 ربيع الثاني 1410هـ/20-24/10/1989م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية ، وباستضافة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية .
وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية ، عند الاستحقاق ، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند ، أو ترتيب نفع مشروط ، سواء أكان جوائز توزع بالقرعة ، أم مبلغا مقطوعاً أم خصماً.
قرر :
1. إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها ، مع فائدة منسوبة إليه ، أو نفع مشروط : محرَّمة شرعاً ، من حيث الإصدار ، أو الشراء ، أو التداول ؛ لأنها قروض ربوية ، سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة ، أو عامة ترتبط بالدولة ، ولا أثر لتسميتها " شهادات " أو " صكوكاً استثمارية " أو " ادخارية " ، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها " ربحاً " أو " ريْعاً " ، أو " عمولة " أو " عائداً " .
2. تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري ، باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية ، ويستفيد أصحابها من الفروق ، باعتبارها خصماً لهذه السندات .
3. كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز ، باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع ، أو زيادة ، بالنسبة لمجموع المقرضين ، أو لبعضهم ، لا على التعيين ، فضلاً عن شبهة القمار " انتهى من مجلة المجمع (ع 6، ج2 ص 1273، ع 7 ج1 ص73).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/196) : " س : بعض البنوك التجارية بدول الخليج تقوم بوضع جوائز مثل : سيارات ، أو بيوت جاهزة ، لمن يفتح في البنك حساب توفير لحفظ أمواله ، وتعمل قرعة بين زبائن البنك ، ثم يفوز بالجائزة أحد الزبائن . فما حكم هذه الجائزة سواء كانت عينية أو مادية ؟
ج : إذا كان الأمر كما ذكر ، فإن هذه الجوائز غير جائزة ؛ لأنها فوائد ربوية مقابل إيداع الأموال في البنوك الربوية ، وتغيير الأسماء لا يغير الحقائق " انتهى .
ثالثا:
ووجه القمار في هذا النوع من الشهادات، ما قاله الدكتور علي السالوس في كتابه: "معاملات البنوك الحديثة في ضوء الإسلام" ص 38 :
" وإذا كان البنك الربوي قد صنف الشهادات أصنافا ثلاثة ، فجعل الأولى غير الثانية بقصد جذب أكبر عدد ممكن ، فإنه في المجموعة الأخيرة خطا خطوة أبعد ، فجاء إلى مجموع الربا ، ثم قسمه إلى مبالغ مختلفة لتشمل عددا أقل بكثير جدا من عدد المقرضين ، ثم لجأ إلى توزيع هذه المبالغ المسماة بالجوائز عن طريق القرعة!
وبهذا ربما نجد صاحب قرض ضئيل يأخذ آلاف الجنيهات ، على حين نجد صاحب الآلاف قد لا يأخذ شيئا . فالأول أخذ نصيبه من الربا ونصيب مجموعة كبيرة غيره ، والثاني ذهب نصيبه لغيره ، وفي كل مرة يتم التوزيع يترقبه المترقبون ، يخرج هذا فرحا بما أصاب ، ويحزن ذلك لما فاته ، وهكذا في انتظار مرة تالية ، أليس هذا هو القمار ؟ فالبنك الربوي لجأ إلى المقامرة بالربا ! فمن لم يُغره نصيبه من الربا في المجموعتين ، فليقامر بنصيبه في المجموعة الثالثة ... ألا يمكن إذن أن تكون المجموعة (ج) أسوأ من أختيها؟ " انتهى.
فوجه كون هذه المعاملة قمارًا: أن الداخل فيها قامر بما كان سيأخذه من الفوائد الربوية الشهرية .
فإما أن يربح مبلغا كبيرا (الجائزة) ، وإما أن يخسر تلك الفوائد الربوية .
وسواء جزمنا بأن هذه المعاملة قمار ، أو فيها شبهة قمار ؛ فإن هذه المعاملة محرمة ، لأن هذه الجوائز هي فوائد ربوية .
والله أعلم.