لماذا لا يُحمل الأمر بالاستنثار في الوضوء على الوجوب ؟

15-11-2017

السؤال 270624

ما هو حكم الاستنثار في الوضوء ؟ هل هو واجب وما دليل ذلك ، أم مستحب ؟ وما الدليل الذي يصرفه عن الوجوب إذا ؟ وما هي أقوال العلماء في الاستنثار ، مع بيان الاختلاف والأدلة التي استدل بها العلماء ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالاستنشاق والاستنثار في أحاديث [ والاستنشاق هو إدخال الماء بالنفس إلى الأنف ، والاستنثار إخراجه منه ] ، منها حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْثُرْ) رواه البخاري (162) ، ومسلم (237) .

والاختلاف مشهور بين الحنابلة والجمهور في الاستنشاق ، فالجمهور يقولون : إنه سنة ، ويحملون الأمر الوارد فيه على الندب ؛ والصارف عندهم هو قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي (توضأ كما أمرك الله) ، وليس فيما أمر الله تعالى في آية المائدة المضمضة والاستنشاق .

قال النووي :

"هَذَا الْأَعْرَابِيَّ صَلَّى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمْ يُحْسِنْهَا ، فَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الصَّلَاةَ الَّتِي تُفْعَلُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَتُشَاهَدُ أَعْمَالُهَا ، فَعَلَّمَهُ وَاجِبَاتِهَا وَوَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ ، فَقَالَ صَلَّى الله عليه وسلم : (توضأ كما أمرك) الله ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سُنَنَ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ ، لِئَلَّا يَكْثُرَ عَلَيْهِ فَلَا يَضْبِطَهَا ؛ فَلَوْ كَانَتْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَاجِبَتَيْنِ لَعَلَّمَهُ إيَّاهُمَا ؛ فَإِنَّهُ مِمَّا يَخْفَى ، لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ هَذَا الرجل خَفِيَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُشَاهَدُ فَكَيْفَ الْوُضُوءُ الَّذِي يَخْفَى" انتهى من "المجموع شرح المهذب (1/364) .

وخالفهم الحنابلة ، فحملوا الأمر بالاستنشاق على الوجوب ، وقالوا :

" كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْصِيًا ذَكَرَ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ , وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا ; لِأَنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ " انتهى  من "المغني" (1/83) .

وليس المقصود مناقشة القولين وبيان الأرجح منهما ، فقد سبق ذلك في جواب السؤال (153791) فليراجع .

لكن المقصود بيان حجة القائلين بسنية الاستنشاق ، وأن مورد اختيارهم غير نابع من إهمال النصوص أو عدم العناية بها ، بل على العكس من ذلك .

ثانيا :

وأما الاستنثار وهو إخراج الماء من الأنف فقد نقل بعض العلماء الاتفاق على استحبابه وعدم وجوبه .

ولكن الواقع أن في ذلك خلافا بين العلماء القائلين بوجوب الاستنشاق ، حتى روي عن الإمام أحمد في هذا روايتان ، وجعل المرداوي في الإنصاف (1/327) الرواية بالسنية هي مذهب الإمام أحمد .

ولكن ظاهر كلام ابن قدامة رحمه الله في المغني (1/169) أنه واجب ، وهذا هو ظاهر الأمر به في أكثر من حديث ، ولأن المقصود هو تنظيف الأنف وتطهيره ، وذلك لا يحصل إلا بالاستنثار .

وظاهر كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يميل إلى القول بوجوبه ، فإنه قال : " وهل يجب الاستنثار؟ قالوا: الاستنثار سُنَّةٌ، ولا شَكَّ أن طهارة الأنف لا تتمُّ إِلا بالاستنثار بعد الاستنشاق؛ حتى يزول ما في الأنف من أذىً " انتهى "الشرح الممتع" (1/209) .

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 262)

ظَاهِرُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ ، فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْشَاقِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ ، كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْر وابن الْمُنْذِرِ : أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي الِاسْتِنْثَارِ . وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُغْنِي يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِذَلِكَ ، وَأَن مَشْرُوعِيَّة الِاسْتِنْشَاق لاتحصل الا بالاستنثار .

وَصرح ابن بَطَّالٍ بِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ ، وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ .

وقال أيضا : "الِاسْتِنْثَارَ يَقَعُ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ ، بِغَيْرِ عَكْسٍ ؛ فَقَدْ يَسْتَنْشِقُ وَلَا يَسْتَنْثِرُ .

وَالِاسْتِنْثَارُ مِنْ تَمَامِ فَائِدَةِ الِاسْتِنْشَاقِ... وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ تَنْظِيفُ دَاخِلِ الْأَنْفِ ، وَالِاسْتِنْثَارُ يُخْرِجُ ذَلِكَ الْوَسَخَ مَعَ الْمَاءِ ، فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِنْشَاقِ" انتهى من "فتح الباري" (6/343) .

والله أعلم .

الوضوء
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب