الحمد لله.
ما قامت به الأم من إعطاء كل ولد من أولادها شقة، يعتبر هبة في حياتها، ويلزم فيها العدل بين الأولاد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) رواه البخاري (2587).
وقد اختلف الفقهاء في صفة العدل بين الذكور والإناث في الهبة، فمنهم من قال: إن العدل هنا هو التسوية بين الذكر والأنثى، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حزم.
ومنهم من قال: العدل أن يعطى الذكر مثل الأنثيين، كما في الميراث، وهو مذهب أحمد.
وينظر جواب السؤال رقم (22169) ، (67652) .
وعلى كلا القولين : فلا حق للولدين أو غيرهما في المطالبة برد الهبة ، وتغيير الأمر عما فعلته الأم .
أما على قول جمهور العلماء : فهذه هبة عادلة ، أخذ كل من الأبناء حقه فيها : فلا حق لأحد في ردها ، ولا الاعتراض عليها ، سواء رضي ، أو لم يرض .
وأما على مذهب الحنابلة ، الذين يرون أن العدل في الهبة ، يكون على قياس القسمة في الميراث ، فلا حق للولدين أيضا في الرجوع في ذلك الأمر ، أو تغييره لأمرين :
الأمر الأول : أن هذه القسمة وقعت بموافقة الجميع ، ورضاهم ، وتسلم كل منهم حقه : فلا حق لأحد في الرجوع في ذلك ، أو طلب تغييره ، حتى لو تغير رأيه بعد ذلك ، ورفض بعد موافقته ، فلا عبرة بخالفه ، بعد وفاقه .
الأمر الثاني : أنه لو افترض عدم رضا بعض الأبناء ؛ فإن هذه القسمة لازمة ، ولا يحل نقضها ولا الرجوع فيها ؛ لأن مثل هذه المسائل التي فيها خلاف معتبر ، إذا مضت العقود ، أو قُبضت الهبات ، ونحو ذلك ، على وفقها : لم ينقض ما سبق منها .
ويتأكد ذلك : في مسائل الاجتهاد التي لا نص فيها مع القول المخالف ، وإنما هو اجتهاد في فهم النص ، وتطبيقه ، وتفاوت في وجهات النظر ، والتأويل .
وينظر للفائدة : جواب السؤال (222773).
وعليه : فالأمر كما تم، لكل واحد منكم شقة، لا ينازَع فيها، لا فرق بين ذكر وأنثى.
ثانيا:
وصية والدتكم لا اعتبار لها؛ لأن الهبة قد تمت في حياتها، وحصل القبض للهبة، فلزمت.
وإنما هذه الوصية تأكيد، وحث على البقاء على ما كان ، وتجنب الخلاف، فلا يقال: إن الوصية لوارث ممنوعة .. إلخ .
بل هذه المسألة من مسائل الهبة والتبرع في الحياة، لا من مسائل الوصية والإرث.
وأما شقة الوالدة، فهي التي من قبيل الوصية لأولادها، فالأمر فيها للورثة – أولادها وغيرهم إن كان لها وارث سوى أولادها - إن شاؤوا أنفذوها، وجعلوا أجرتها لنفقة العمارة، وإن شاؤوا اقتسموها قسمة الميراث، للذكر مثل حظ الأنثيين.
والله أعلم.