الحمد لله.
أولا:
كتابة القصص الخيالية : محل خلاف بين أهل العلم، بين مانعٍ ومبيح بشروط .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (174829) واخترنا القول بالجواز إذا كان المخاطب والقارئ يعلم أن القصة خيالية لم تقع ، ويمكن أن ينبه على ذلك في مقدمتها .
ويشترط أن لا تتضمن دعوة لمحرم ، أو ترويجا لباطل، بل تهدف إلى نشر الخير والدعوة إلى الحق.
ومن كلام أهل العلم في جواز هذه القصص:
قال في "الدر المختار": "وحديث حدثوا عن بني إسرائيل يفيد حل سماع الأعاجيب والغرائب ، من كل ما لا يتيقن كذبه بقصد الفرجة ، لا الحجة .
بل وما يتيقن كذبه ، لكن بقصد ضرب الأمثال والمواعظ ، وتعليم نحو الشجاعة على ألسنة آدميين أو حيوانات . ذكره ابن حجر" انتهى.
قال ابن عابدين في حاشيته عليه (6/ 405): "(قوله لكن بقصد ضرب الأمثال إلخ) وذلك كمقامات الحريري، فإن الظاهر أن الحكايات التي فيها عن الحارث بن همام والسروجي : لا أصل لها، وإنما أتى بها على هذا السياق العجيب لما لا يخفى على من يطالعها .
وهل يدخل في ذلك مثل قصة عنترة والملك الظاهر وغيرهما ؟
لكن هذا الذي ذكره إنما هو عن أصول الشافعية، وأما عندنا فسيأتي في الفروع، عن المجتبى: أن القصص المكروه : أن يحدث الناس بما ليس له أصل معروف من أحاديث الأولين ، أو يزيد، أو ينقص ليزين به قصصه إلخ ، فهل يقال عندنا بجوازه إذا قصد به ضرب الأمثال ونحوها ؟ يحرر.
(قوله على ألسنة آدميين أو حيوانات) أي أو جمادات ، كقولهم : قال الحائط للوتد : لم تخرقني؟ قال : سل من يدقني (قوله ذكره ابن حجر) أي المكي في شرحه على المنهاج" انتهى.
وقال محمد عبد الحي الكتاني في "التراتيب الإدارية" (2/ 157): "وفي فتاوى ابن حجر الهيتمي: مقامات الحريري على صورة الكذب ظاهرا ، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، وإنما هي ضرب الأمثال، وإبراز الطرق الغريبة والأسرار العجيبة ، والبديع الذي لم ينسج على منواله ، ولا خطر بفكر أديب ، فشكر الله سعي واضعها" انتهى.
ثانيا:
إذا تضمنت القصة الإشارة إلى زمن معين، وهو ما بعد آدم عليه السلام، فإن عرضه في صورة القرون الوسطى في أوروبا : يعتبر من الكذب ، وتغيير الحقائق التاريخية ؛ فإن حال الناس في ذلك الزمان لم يكن على ذلك ، بل كانوا على توحيد الله جل وعلا ، والإيمان به .
واستمر الناس على ذلك زمنا ، ثم حدث الشرك في قوم نوح بعد عشرة قرون ، كما قال تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) البقرة/213 .
قال ابن عباس في تفسيرها : " كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق. فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين "..
قال ابن كثير رحمه الله بعد نقله عن ابن عباس وتصحيحه : " لأن الناس كانوا على ملة آدم، عليه السلام ، حتى عبدوا الأصنام ، فبعث الله إليهم نوحًا عليه السلام ، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/569).
وينظر جواب السؤال رقم : (128148) .
ومثل ذلك ما ذكر من خلق جنس آخر ، وصراعه مع الإنس : يعتبر كذبا ، وقولا على الله ، بغير علم ، وتغييرا للتاريخ والواقع .
وهذا ينطبق أيضا على القصة المستوحاة من القرآن ، إذا أضيف إليها ما لم يثبت من الأحداث والوقائع.
والمخرج من ذلك أن تخلو القصة من الربط بزمن معين ، أو أحداث معلومة ، أو أسماء معروفة.
ولو انشغلت بما تحسنه ، وما تخصصت فيه ، لكان أنفع لك وللناس ، وأبعد لك عن الريبة وحزازة الصدر :
عَنْ أَبِي الحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ، قَالَ: " قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ ) . رواه الترمذي (2518) وقال : هذا حديث صحيح . وصححه الألباني .
والله أعلم.