الحمد لله.
أولًا :
الاستنجاء بعد قضاء الحاجة واجب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في أحاديث كثيرة .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/206) :
" وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ فِي الْجُمْلَةِ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، لقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَقَالَ : ( لَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ : ( لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَار) فَأَمَرَ ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .
وَقَالَ : (فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ) .
وَالْإِجْزَاءُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ ، وَنَهَى عَنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَقَلّ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، وَإِذَا حَرُمَ تَرْكُ بَعْضِ النَّجَاسَةِ، فَتَرْكُ جَمِيعِهَا أَوْلَى .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ دُونَ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ) ، وَأَمَرَ بِالْعَدَدِ فِي أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ " انتهى .
ثانيًا :
وقت وجوب الاستنجاء هو عند إرادة الصلاة ، لأن الاستنجاء وجب من أجل صحة الصلاة ، لأنها لا تصح مع وجوب النجاسة على البدن أو الثوب .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (14/114) :
"وَقْتُ وُجُوبِ الاِسْتِنْجَاءِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِهِ :
إِنَّ وُجُوبَ الاِسْتِنْجَاءِ إِنَّمَا هُوَ لِصِحَّةِ الصَّلاَةِ . وَلِذَا قَال الشَّبْرَامَلُّسِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ : لاَ يَجِبُ الاِسْتِنْجَاءُ عَلَى الْفَوْرِ ، بَل عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلاَةِ حَقِيقَةً " انتهى .
وبناء على هذا ؛ فإنه لا يجب على الحائض أن تستنجي من البول ، لأنها لن تصلي حتى تطهر وتغتسل ، غير أنها يستحب لها أن تبادر إلى إزالة النجاسة .
قال النووي رحمه الله تعالى: "إزالة النجاسة التي لم يعص بالتلطخ بها في بدنه ليس على الفور ، وإنما تجب عند إرادة الصلاة ونحوها .
لكن يستحب تعجيل إزالتها" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (2/ 599) .
وقال الشيخ ابن عثيمين :
"مبادرة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بتطهير النَّجاسة : ليس على سبيل الوجوب؛ لأن الله تعالى لم يوجب الوُضُوء، وهو آكد من إزالة النجاسة ، إلا عند القيام إلى الصَّلاة فقال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ ) [المائدة: 6] " انتهى من "الشرح الممتع" (2/ 180) .
وقال أيضا :
" لا ينبغي تأخير غسل النجس ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان منهجه المبادرة في إزالة النجاسة ، فإنه أتي بصبي ، فوضعه في حجره ، فبال عليه صلى الله عليه وسلم ، فدعا عليه الصلاة والسلام بماء فأتبَعه إياه ، ولم يؤخر غسله .
ولما بال الأعرابي في طائفة المسجد -أي في جانب منه- أمر النبي عليه الصلاة والسلام بذنوب من ماء ، فأريق عليه فورا .
فعلم من هذا : أن هدي الرسول عليه الصلاة والسلام هو المبادرة في إزالة النجاسة .
وذلك لسببين :
أولا : المسارعة إلى إزالة الخبث والأذى ، فإن الأذى والخبث لا يليق بالمؤمن ، فالمؤمن طاهر، وينبغي أن يكون كلُّ ما يلابسه طاهرا .
وثانيا : لأنه ربما ينسى إذا أخر غسله عن فوره ، وحينئذ قد يصلي بالنجاسة وربما يتلوث" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (16/66) بترقيم الشاملة .
والله أعلم .