سوالي خاص بتخطي الرقاب يوم الجمعة ، فإذا حضرت إلى المسجد قبل صعود الإمام إلى المنبر فهل يجوز تخطي الناس ، والذهاب إلى الصفوف الأولى ، علما أنه يوجد فراغات واسعة تسمح بالمرور إلى مقدمة المسجد ؟ وفي بعض الأحيان عندما أذهب إلى المسجد باكرا بساعة تقريبا أجد عددا قليلا لا يتعدى عشر أشخاص ، لكن هناك من يجلس في منتصف المسجد ، فهل يجوز لي تخطيهم والذهاب إلى مقدمة المسجد ؟
الحمد لله.
أولًا :
نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن تخطي رقاب الناس أثناء خطبة الجمعة ؛ لأن ذلك يؤذي الجالسين .
فعن عبد الله بن بُسر رضي الله عنه قال: " جاء رجل يتخطى رقاب النّاس يوم الجمعة والنّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب، فقال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اجلس ، فقد آذيت) "أخرجه أبو داود (1118)، والنسائي (1399)، وابن ماجه (1115) وزاد في آخره (وآنيت)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
ومعنى: (آنيت) : أبطأت في المجيء ، وأخرته عن أوانه .
والمراد بتخطي الرقاب : أن يرفع المتخطي رجله فوق مناكب الجالسين .
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "وفي التخطي زيادة رفع رجليه على رؤوسهما أو أكتافهما [يعني: الشخصين اللذين مَرَّ بينهما] ، وربما تعلق بثيابهما شيء مما برجليه" .
انتهى من "فتح الباري" لابن حجر (2/ 392).
وجاء في " نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (2/ 338): " قوله : (رقاب الناس ) يؤخذ من التعبير بالرقاب أن المراد بالتخطي: أن يرفع رجله بحيث تحاذي في تخطيه أعلى منكب الجالس.
وعليه : فما يقع من المرور بين الناس ليصل إلى نحو الصف الأول : ليس من التخطي ، بل من خرق الصفوف إن لم يكن ثَمَّ فرج" انتهى .
أما المرور من خلال الفُرج والفراغات التي تكون بين الجالسين بدون تخطي رقابهم فليس منهيًا عنه .
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "ومتى كان بين الجالسين فرجة ، بحيث لا يتخطاهما ، جاز له أن يمشي بينهما ، فإن تماست ركبهما بحيث لا يمشي بينهما إلاّ بتخطي ركبهما كره له ذلك ، فإن كانا قائمين يصليان ، فمشى بينهما ولم يدفع أحداً ، ولم يؤذه ، ولم يضيق على أحد جاز ، وإلاّ فلا " انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (8/ 206).
وبهذا يتبين أن الصورة الواردة في السؤال ليست من تخطي الرقاب ، وليست منهيا عنها ، لأن الجالسين إذا كانت بينهما فرجة تسمح بمرور شخص فليس هذا من التخطي .
وإنما التخطي أن تكون المسافة بين الجالسين صغيرة بحيث لا يتمكن أحد من المرور فيها ، فيضطر إلى رفع رجله فوق أكتاف الجالسين حتى يتمكن من المرور بينهما .
ثانيا :
يستثنى من النهي عن تخطي الرقاب : الإمام ، إذا لم يكن له طريق إلى المنبر أو المحراب إلا بالتخطي .
قال المرداوي رحمه الله : "أما إذا كان إماما ، فإنه يتخطى من غير كراهة ، إن كان محتاجا للتخطي ، هذا المذهب ، جزم به المجد" انتهى من "الإنصاف" (6/288) .
واستثنى بعض العلماء إذا ترك الجالسون فرجة أمامهم ، فيجوز للمتأخر أن يتخطى رقابهم حتى يصل إليها ، وبعضهم يشترط لجواز ذلك أن يكون قبل صعود الخطيب على المنبر حتى لا يشغل الجالسين عن سماع الخطبة .
انظر : "المدونة" (1/239) ، "أسنى المطالب" (1/268) ، "شرح المنتهى" (1/321) .
غير أن الأحوط ، والأقرب للعمل بظاهر الحديث : عدم التخطي في هذه الحالة .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (5/96) .
"قوله: أو إلى فرجة أي: مكان متسع في الصفوف المقدمة، فإن كان هناك فرجة، فلا بأس أن يتخطى إليها.
فإن قال قائل: الحديث عام اجلس فقد آذيت ؛ لأن ظاهر الحال أن هناك فرجة؛ لأنه ليس من العادة أن يتخطى الإنسان الرقاب إلا إلى فرجة.
ولكن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ استثنوا هذه المسألة، فقالوا: لأنه إذا كان ثمة فرجة فإنهم هم الذين جنوا على أنفسهم؛ لأنهم مأمورون أن يكملوا الأول فالأول، فإذا كان ثمة فرجة فقد خالفوا الأمر، وحينئذٍ يكون التفريط منهم، وليس من المتخطي.
ولكن الذي أرى: أنه لا يتخطى حتى ولو إلى فرجة؛ لأن العلة وهي الأذية موجودة، وكونهم لا يتقدمون إليها قد يكون هناك سبب من الأسباب، مثل: أن تكون الفرجة في أول الأمر ليست واسعة، ثم مع التزحزح اتسعت، فحينئذٍ لا يكون منهم تفريط، فالأولى الأخذ بالعموم ، وهو ألا يتخطى إلى الفرجة لكن لو تخطى برفق واستأذن ممن يتخطاه إلى هذه الفرجة فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس" انتهى .
ولمزيد الفائدة ينظر الجواب رقم : (41731) .
والله أعلم